القرار 1325 والنساء السوريات

يعتبر القرار 1325 أحد أكثر قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلهاماً، وفق التعبير الوارد في دراسة عالمية حوله، بعنوان “منع النزاع وتحويل العدالة وضمان السلام”، صدرت عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2015. هذا القرار الذي اعتُمد عام 2000 ويتمحور حول النساء والأمن والسلام، يؤكّد أهمية المشاركة المتكافئة والكاملة للنساء، كعنصر فاعل في منع نشوب النزاعات وإيجاد الحلول واتخاذ القرارت، بما فيها مفاوضات السلام ووقف إطلاق النار، وجميع عمليات صنع القرارات العامة المرتبطة بإرساء السلام.

القرارات الأممية اللاحقة المكمّلة والداعمة للقرار، مع آليات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية ذات الصلة، تتضمّن مجموعة واسعة النطاق من المبادئ والتوجيهات، بشأن تحسين أوضاع النساء أثناء النزاعات، وحمايتهن من جميع أشكال العنف والعنف الجنسي، وتشجّع على إدماج المنظور الجندري في جميع المناحي المتعلقة بمنع نشوب النزاعات، وخلال وقوعها، وصولاً إلى مراحل بناء السلام وإعادة الإعمار.

لم تُغفل تلك القرارات أهمية تطوير بنية تشريعية ومؤسساتية مناسبة، لمحاسبة منتهكي حقوق النساء، وتطوير آليات الحماية الفعّالة لهن. وتؤكّد الدراسة المُشار إليها أهمية القرار 1325 وفعاليته، إذ انعكس بشكل واضح على ازدياد عدد اتفاقيات السلام التي أشارت للنساء. كما قدّمت الدراسة أدلةً ملموسة وأفكاراً وممارسات جديدة، تبرهن أن السلام يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمساواة بين الجنسين، وأن تمكين النساء ومشاركتهن في قيادة عمليات السلام، خطوة أساسية لإنهاء النزاعات، وضمان بناء سلام مستدام على الصعيد المجتمعي والسياسي، مستندةً إلى تجارب وأمثلة لدول استفادت إيحاباً من القرار.

في السياق السوري توجد ضرورة ملحّة لتفعيل القرار ومكمّلاته، حيث لا يخفى على أحد العنف الذي طال النساء السوريات على مدار السنوات العشر الماضية، منذ انطلاقة الثورة في آذار (مارس) 2011، على اختلاف أماكن تواجدهن واصطفافاتهن، مع التأكيد أن النساء والفتيات الثائرات والمتواجدات في المناطق الثائرة، عانين من عنف متعدّد الأشكال وأكثر وحشية وقسوة، كالاعتقال والتعذيب من قبل النظام أولاً، ثم الميليشيات الجهادية والفصائل المسلحة لاحقاً. ويتفاقم العنف المشترك ضدّ النساء السوريات، في ظل استمرار النزاع وجمود عملية السلام.

اقرأ أيضاً: الحقّ في الإجهاض… روح المرأة أولاً!

إن انهيار المؤسسات والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الداخل، وظروف المخيمات الكارثية في بلدان اللجوء التي تعيش فيها اللاجئات والمهجرات قسرياً، تؤثّر سلباً وبشكل غير متناسب على النساء، نظراً لافتقارهنّ إلى الخدمات الأساسية. ونتيجة الفقر المدقع، تتعرض كثير من النساء والفتيات للاستغلال والتمييز، والحرمان من حقوق كثيرة كحق التعليم، أو حق التنقل بحرية، عدا أن فقدان أحد أفراد الأسرة يلقي بظلاله النفسية والمادية عليهن. وتتعرض سوريات كثيرات لانتهاكات قانونية بسبب فقدان الوثائق الثبوتية والأوراق الرسمية، مما يحرمُهنّ وأطفالهنّ الحقَ في الوصول للكثير من الخدمات.

علاوةً على ما سبق، يعد ارتفاع نسبة جرائم قتل النساء بذريعة الشرف في كافة المناطق، دليلاً على وحدة مأساة السوريات، ووقوعهن تحت سوط ذكوري واحد، وإن اختلفت يد الجلاد. كما يطالهن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي يومياً، ما يعني أن وعي النساء لضرورة توحيد العمل لنيل حقوقهن، سيكون مدخلاً وخطوة رئيسة في صنع السلام المجتمعي والمستدام في المستقبل السوري الغامض حالياً، تيمّناً بتجارب دول عاشت أوضاعاً مشابهة، وساهم القرار 1325 بإرساء خطوات السلام الأولى فيها.

أدت أسباب كثيرة لتَعثُر تحقيق القرار في السياق السوري، منها أن إنجاز خطة وطنية ناجعة لتنفيذه ما زال أمراً بعيد المنال، فمعظم (وربما جميع) الأطراف التي يُفترض أن تكون فاعلة فيها، لا يؤمنون أساساً بالسلام وحقوق النساء، كالنظام والجماعات الجهادية والميليشيات المسلحة. وبالتالي، يبقى القرار مبتوراً ومحصوراً ضمن أروقة بعض منظمات المجتمع المدني، والمنظمات النسوية، التي لا تملك أكثر من التعريف به والمطالبة بتطبيقه.

يجب أن يُنظر إلى النساء السوريات (وينظرن إلى أنفسهنّ) بوصفهنّ صانعات سلام حقيقيات، وأن يتخذن دورهن الفاعل والمؤثر في عمليات السلام والمفاوضات وكل ما يخصّ التسوية في سوريا. لذلك، لابد من فهمٍ معمّق للقرار 1325 وتعزيز تطبيق المسؤوليات في هذا الصدد، عبر ربط القرار بالأطر الحقوقية الدولية، مثل قرارات مجلس الأمن والاتقاقيات ذات العلاقة، ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء “السيداو”، ومنهاج عمل بيجين، الذي يشير إلى العلاقة بين حقوق المرأة والنزاعات والأمن والسلام.

ومن الضروري أن تخصّص المنظمات النسوية مزيداً من الوقت للتوعية بأهمية هذا القرار، وفهم تصورات النساء السوريات بشأن دورهنّ في تنفيذه، وسبل إشراكهنّ بشكل فاعل، لإدراج ذلك في الخطط المستقبلية لتفعيل القرار في سوريا، سواء ضمن خطة وطنية شاملة، أو في خطط على نطاق محلّي حيث أمكن ذلك.

إن توجيه أنظار العالم في الوجهة التي تدّعيها الأمم المتحدة، والرامية إلى “تحويل السيوف إلى شفرات للمحراث”، يحتّم علينا نحن النسويات والنسويين السوريات والسوريين الخروج من المصالح الضيّقة والخلافات العبثية. لقد حان الوقت للتركيز على تنسيق الجهود بشكل جدّي، من أجل عمل مشترك مُجدي ومتقن، يسهم في رفع المهارات وبناء كفاءات قادرة على التأثير، واعية لجسامة المهمّات القادمة، ومدركة لما تقول ولما ينبغي فعله.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد