لهجةُ النظام إذ تواجه اللغة الكردية في سوريا

في أول محاولة “انفتاح” للنظام السوري على القضية الكردية في سوريا، قال وزير التربية والتعليم في حكومة دمشق، دارم طباع، إنه لا مانع لدى حكومته من تدريس اللغة الكردية لمدة ساعتين أسبوعياً في المدارس الحكومية بوصفها “لغة محلية” بشرط أن تكون “بشكل حر ولمن يرغب من أي قومية كان”، ليؤكد بعدها أن المانع الوحيد حتى الآن للقيام بهذه الخطوة هو أن أياً من “الأخوة الكرد” لم يقدم حتى الآن طلباً بذلك!

لا شك أن تصريحات “عنصر” الحكومة السورية قد جاءت بإيعاز مباشر من رئيس النظام السوري، والتي، رغم هزالتها، قد يكون من المغري وصفها ببادرة حسن نية منه تجاه الكرد، وذلك نظراً لمدى تخشب النظام وخطابه المنفصل عن الواقع تماماً. إلا أن هذه المبادرة لا تحمل في طياتها أي مؤشرات على تغييرات حقيقية في سلوك النظام، سواء قانونياً أو عملياً، تجاه الكرد، إذ إن إصرار وزير التربية والتعليم على عدم وجود مانع لدى وزارته القيام بهذه الخطوة يوحي بعدم استعداد النظام إجراء تغييرات قانونية في النظام التعليمي بحجة عدم وجود حاجة لذلك، ولعله يذكرنا بإصرار النظام على طرح قانون الإدارة المحلية، الموجود سلفاً، في كل مرة تطرح فيها قضية الإدارة الذاتية واللامركزية في سوريا، وذلك في مقاومة مشابهة لإجراء أي تغييرات على قوانينه. من جهة أخرى، فإن تأكيد الوزير السوري على أن المانع أمام وزارته للقيام بهذه الخطوة حتى الآن كان عدم تقدم الكرد بطلب للسماح بتدريس اللغة الكردية في المدارس الحكومية، هو إفراغ للمبادرة من مضمونها، فبدل أن تنفذ حكومته ما يقترحه هو، وهي العارفة بمناطق تواجد الكرد في سوريا، يقوم بإظهار حكومة دمشق بمظهر الحكومة التي تستجيب للعرائض ولمطالب المواطنين، في لغو يفهم منه أن النتائج العملية لهذه التصريحات لن تتعدى تحريك شفاه الوزير.

أضف إلى عدم جدية تصريحات الوزير السوري، فإن هزالة ما تقدمه حكومته بالنظر إلى المعطيات الحالية على الأرض هو أمر مثير للسخرية، وربما كان الهدف الرئيسي منها هو إجهاض المبادرة الروسية للوصول إلى حل مع حكومة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية. فجولات لقاء الأخيرة مع المسؤولين الروس تمحورت حول الاعتراف بالإدارة الذاتية ودمج قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش السوري وغيرها من القضايا التي تتجاوز حتماً سقف تدريس الطلبة ساعتين من اللغة الكردية وفق ما يقدمه النظام الآن على لسان وزير تربيته.

قد تكون روسيا من جهتها متواطئة مع النظام السوري في هذا الجانب من أجل خفض توقعات الكرد في مستقبل المفاوضات، إلا أنه ليس من المستبعد أيضاً أن يكون النظام قد امتلك الجرأة على محاولة إجهاض المبادرة الروسية من تلقاء نفسه، إذ يعتاش هذا النظام على المنافسة والتوتر “الباردين” بين روسيا وإيران في سوريا، ولطالما اعتمد على إحداها من أجل تحديد نفوذ وسطوة الأخرى عليه، والواقع أنه في الآونة الأخيرة ازداد حجم الدور الذي تلعبه إيران في تعويم النظام عربياً وهي التي لديها استطالات مفيدة في الشرق الأوسط أكثر من روسيا. أضف إلى ذلك أن النظام لا يتوقع انزعاجاً روسياً كبيراً من موقفه هذا، فعلى الرغم من أن الإدارة الذاتية ومن خلفها قسد تشكل العقبة الرئيسية أمام الثلاثي الروسي-التركي-الإيراني للوصول إلى تسوية نهائية للأزمة السورية، إلا أن روسيا ليست على عجلة من أمرها لتحقيق ذلك، بل إن رهانها الرئيسي هو الصبر على تغير الموقف الأمريكي واقتناع الغرب بعدم قدرتهم على التأثير بمجريات الأحداث في سوريا بعد الآن، وبالتالي انسحابهم من البلاد بما يترك مناطق الشمال الشرقي عرضة “للتأديب” على يد تركيا قبل إعادة النظام قواته إليها.

لا يمكن الاستفادة من مبادرة النظام هذه إلا بإخراجها من سياقها التفاوضي الذي يطمح إلى وضعها فيه، بمعنى أن تعهد الأحزاب الكردية إلى لجنة من المستقلين مهمة تقديم طلب إلى وزارة التربية من أجل تدريس اللغة الكردية في المدارس الحكومية الواقعة في مناطق تواجد الكرد في شمال شرقي سوريا إضافة إلى مدن حلب ودمشق، وذلك دون أن تكون هذه الأحزاب على اتصال مباشر مع النظام بهذا الشأن لمنعه من استخدام الطلب كورقة مقابل تنازلات سياسية أخرى. ورغم ضعف الأمل بإمكانية تحقق مثل هذه الخطوة، سواء برفض الطلب أو بالتسويف والمماطلة بحجج تقنية عديدة، إلا أن فائدة صغيرة قد ترجى منه وهي إحراج النظام أكثر وعدم السماح له، أو لروسيا، بطرح هكذا مبادرات مهينة في المستقبل.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد