المرأة السورية و”الإعلام الجديد”

نتيجة انعدام الثقة في المؤسسات الإعلامية التابعة للنظام، شهد الإعلام السوري خلال السنوات العشر الماضية، إطلاق مئات الصحف والمجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية، وعشرات الإذاعات والقنوات التلفزيونية الجديدة، التي ظهر معظمها تحت مسمّى “الإعلام الثوري” أو “الإعلام البديل”. ويمكن القول إن “المرأة” حاضرة دوماً في وسائل الإعلام المختلفة تلك، وعلى منصات السوشل ميديا العديدة، ويومياً يُنشر ما لا حصر له من المحتوى والمواد الإعلامية، سواء عن النساء أو الموجّهة لهنّ.

في هذا المجال، تُطرح أسئلة كثيرة عن كيفية تناول المرأة وقضاياها في هذا “الإعلام الجديد”، منها: إلى أي درجة نجح في نقل الصورة الحقيقة لواقع النساء السوريات في مختلف أماكن تواجدهن؟ وما مدى مساهمته في كسر الصور النمطية السائدة حولهنّ؟ وهل يؤدي واجبه في ما يتعلق بحقوق المرأة، والتوعية بها ونشر ثقافة اللاعنف ضدها، أم أنّ الخطاب الميسوجيني (الكاره للنساء) ما زال حاضراً؟

لن يحيط المقال بالإجابات الوافية عن تلك الأسئلة، فهي تحتاج إلى دراسات وأبحاث معمّقة، لكنه يبتغي الإشارة إلى ملاحظات أساسية حول موقع النساء السوريات في هذا الإعلام، بأشكاله كافّة.

بشكل عام، قدّم معظم “الإعلام الجديد” المرأة في صورتين أساسيتين، الأولى “إيجابية” تعكس قصصاً فردية عن نجاح نساءٍ في الثورة، ومشاركتهن الفاعلة، التي وإن تراجعت ميدانياً بعد طغيان لغة السلاح، إلا أن النساء استطعن شق طرق أخرى للتعبير عن ذواتهن الحرة، وعن ثوراتهن الخاصة ونجاحهن في مجالات إبداعية مختلفة، ويسلّط الإعلام الضوء على هذه النماذج كحالات فردية. أمّا الصورة الثانية، وهي الغالبة، فيمكن وصفها بصورة الضحية التي عانت من العنف والاعتقال والاضطهاد والتعذيب والتهجير القسري واللجوء، وما يرافق ذلك كلّه من ظروف قاسية وتبعات سلبية ترتبط بالسياق العام.

اقرأ أيضاً: التحرّش بالصحفيات السّوريات… قصص من خلف شاشات التّحرير وغُرف الأخبار

لكن في الحالتين، لم يكن المنطلق لدى غالبية المنابر هو تبنّي قضية النساء أو أخذها على محمل الجد، أو السعي إلى رفع الوعي بحقوق النساء، إذ غالباً ما يجري استخدام الصورتين وتوظيفهما خدمةً لأجندات سياسية، ليست المرأة أكثر من أداة فيها، فتحضر بهذه الصورة أو تلك وفق ما يخدم الأغراض الدعائية أو الأيديولوجية أو التعبوية.. الخ.

على صعيد آخر، كشفت تجارب النساء العاملات في هذا الحقل الاعلامي الناشئ حجمَ التحديات الهائلة يواجهنها، حيث بيئة العمل ذكورية بامتياز وغير آمنة. والأمثلة لا تعد ولا تحصى عن صحفيات وإعلاميات تعرضن لانتهاكات ضمن بيئة العمل، ومن قبل زملائهن أو مسؤولي المؤسسات التي يعملن فيها. والويل لمن يحاولن فضح المتحرّشين في محيطهن أو الادّعاء عليهم ومقاضاتهم، إذ سيصبحن “مادة” للجدل والأخذ والرد، وموضع تشكيك واتهام، مما دفع بالكثيرات للصمت عن قضايا التحرش حتى لا يتعرضن للتشهير والاساءة.

من جهة ثانية، كثيراً ما أعاقت هذه البيئة الذكورية تطوّر النساء المهني، وحدّت من حرّيتهن في فضاء يفترض به أن يكون داعماً ومحفزاً وليس العكس. فالواضح أنّ هناك سقفاً ذكورياً غير مرئيّ يرسم حدود أدوار النساء وإبداعهنّ وحقوقهنّ، في وسائل إعلام ترفع شعارات الحرية، وكل امرأة تتجازو السقف أو الحدود المرسومة لها ستدفع الثمن. ويمكن تلمّس ذلك في التركيز على محاربة النساء الخارجات عن الصور النمطية حين يمارسن حقاً مشروعاً أو يدافعن عنه، وتصويرهن كأنهن يقمن بأفعال جرمية.

عشر سنوات من “الإعلام الجديد” لكن الأفكار “القديمة” تجاه النساء هي السائدة، ومن أبرز الأمثلة حق المرأة بالطلاق. فكلمة مطلّقة ما زالت وصمة تلاحق كل امرأة سورية، داخل سوريا وخارجها، وأضحى “طلاق السوريات في أوروبا” موضوعاً يبالغ الإعلام فيه ،ويضعه في خانة “تقويض الأسرة بسبب القوانين الداعمة للنساء”، بينما يتجاهل العنف والمعاناة التي دفعت بالنساء إلى هكذا قرار. وضمن هذه الأجواء التحريضية، تتواطأ كثيرات ضد أنفسهن ويصمتن عن العنف الأسري الذي يعانينه حتى لا تلصق بهن هذه التهمة. مثال آخر نجده في ظاهرة جرائم قتل النساء، فهي لا تُولى ما تستحقّ من الاهتمام الإعلامي، من حيث أسباب الظاهرة وسبل مكافحتها والانتصار لضحاياها، وهكذا تُقتل الضحيّة مرّة ثانيةً حين تتحوّل إلى مجرد خبر عابر.

رغم الانتعاش الملحوظ للحركة النسوية السورية، وزيادة عدد المنخرطات والمنخرطين فيها نسبياً، ووجود منصات تعبّر النسويات من خلالها عن أفكارهن، إلا أن دور الإعلام في دعم هذا الخطاب شبه غائب، بل تراه يتجنب أي طروحات قد توصف بالنسوية. فالضجيج الذكوري المدعّم بطبول الدين وأبواق العادات والتقاليد، يمنع وصول الأصوات النسوية إلى الجمهور، ويفرض قيمه ومعاييره على العاملات والعاملين في الإعلام، ومن ثمّ على مخرجات هذا الإعلام التي بدورها ستؤثر بشكل أكبر على الرأي العام، وتعيد إنتاج تعنيف النساء وتهميشهنّ، مع مواصلة استخدامهنّ في الصورة عند الضرروة!

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد