للرجال فقط.. ممنوع اقتراب النساء!

خلال العقود الأخيرة شهدت المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، تغيرات كبرى في معاييرها بشكل عام، وتراخت قيود قاسية عديدة، لطالما فُرضت على النسبة الأكبر من النساء، حارمةً إياهنّ من حقوق كثيرة، كحق التعلم أو العمل أو حرية التنقل. هذه التغيرات التي فرضها التطور العلمي والتقني، إلى جانب عوامل مختلفة، ساعدت الكثير من النساء والفتيات للخروج عن الصور النمطية السائدة، وكسر عدد من التابوهات و”المحرمّات” في فضاءتهن الخاصة والعامة، مع تفاوت مساحات الحرية التي استطعن تحقيقها، واختلافها من مكان لآخر، واقعياً أو افتراضياً.

رغم ذلك، ما زالت خطوطاً حمراء كثيرة تقف في وجههنّ، وتعيق محاولات تقدمهنّ، سواء على المستويات الاجتماعية أو العلمية أو الثقافية، فضلاً عن حقول السياسة والعمل العام. فالتطوّر الذي تحقّق لهنّ ترافق مع استنباط أصناف وطرائق جديدة محدثة من التنمر والإقصاء والتهميش، أضيفت إلى الأشكال التقليدية، في مواجهة النساء اللواتي يتجاوزن “الحدود”، ويجرّبن المضي في طرقات جديدة. فإنّ نظرة النساء لأنفسهنّ بوصفهنّ ندّات حقيقيات، متساويات في الإمكانيات والقدرات مع الرجال، هو أمر لا يستسيغه أصحاب العقليات الذكورية، وهنا تبدأ سلسلة لا تنتهي من وضع العصي في الدواليب، لعرقلة تقدم النساء في المجالات التي اعتاد الرجال تسيّدها، وكانت قد استعصت على النساء في ما مضى، نتيجة التمييز ضدهنّ بسبب جنسهنّ، وتكريس فكرة عدم قدرتهنّ على خوضها.

اقرأ أيضاً: الحقّ في الإجهاض… روح المرأة أولاً!

عند التركيز على قصص نجاح النساء في مواقع كانت حكراً على الرجال، غالباً ما يتم الاحتفاء بهنّ وتجاهل حجم العقبات التي اعترضت طريقهن لأنهن نساء، فالوقائع تثبت في المجتمعات كافة، أن النساء ما زلن يواجهن ضغوطاً كبيرة عند انخراطهن في مجال لم يشهد سابقاً وجوداً للجنس الأنثوي فيه، أو كانت النساء على هامشه عادةً، أو كُنّ ببساطة موضوعاً له.

وجود نساء يملكن الرغبة والإرادة للتقدم خطوة أو التعمّق أكثر يعني وضعهنّ في بؤرة الضوء، ومن ثمّ متابعتهن وتصيّد أخطائهنّ ومحاسبتهن بقسوة، وفرض أشكال مختلفة من الضغوط، لا بهدف إعاقة أي تقدم يمكن أن يحققنه فحسب، وإنما أيضاً لترهيبهنّ وتهديدهنّ وتذكيرهنّ بأن هذه مساحة ذكورية، يحظر عليهن الاقتراب منها. ولتثبت النساء جدارتهن، يتوجب عليهن تقديم أعلى معايير الدقة والإنجاز، وهو أمر سيكون طبيعاً لو أنه يُطلب بالقدر نفسه وبالطريقة نفسها من الرجال في المجال ذاته.

النساء اللواتي تحدّين “القواعد” واقتحمن مجالات قرّر الرجال أنّها من اختصاصهم فقط، يواجهن تحديات لا صلة لها بأدائهنّ أو المعايير الموضوعية، ويتمّ التركيز على حياتهنّ الشخصية، وشكلهنّ ولباسهنّ، وما يتّصل بذلك من تحرش بصري ولفظي، علاوة على التقليل من أهمية الإنجازات أو تهميشها. هذه المسائل جميعها تندرج ضمن سياسة قائمة على التنمّر والتخويف، ينتهجها ذكور مُهيمنون لتقويض جهود أي امرأة امتلكت جرأة الخروج عن المألوف، وقد تتعرّص المرأة لهذا حتى من قبل أشخاص من دائرتها الخاصة، يفترض بهم أن يكونوا داعمين لها، وإذ بهم يحاولون إعادتها إلى “حدودها”، أو أنها ستدفع الثمن على تجاوزها.

لكن الصادم في أحيان كثيرة، أن تُحارَب النساء في مخاضاتهن الجديدة من قبل نساء أخريات، فتزيد معاناتهنّ في صراعات معقّدة بين النساء أنفسهنّ، بأساليب ذكورية. وليس من المبالغة القول إن صراعات كهذه موجودة حتى ضمن الحركات النسوية والمنظمات التي ترفع شعارات كبرى عن حقوق النساء والنضال النسوي، لتأتي آلياتها الذكورية وتفضح التناقض بين الممارسات الواقعية والتنظير النخبوي.

عندما تتحكم العقلية الذكورية في إطلاق أحكام خاصة بالنساء، وترفع في وجههنّ الصور النمطية، أو ترسم لهنّ الأدوار المنتظرة منهنّ، حتى من قبل رجال يعلنون مناصرتهم لحقوق النساء، لكنهم ينزلقون في ذكوريتهم عند أول مطب، وهذا يضع النساء في مآزق وخيارات محدودة ليست في صالحهن. فإما الانسحاب والانكفاء على الذات لتجنب ما يتعرّضن له، أو تقييد عفويتهنّ ومحاولة “التكيّف”، أو المواجهة والوقوف أمام جبهات ذكورية عنيفة، وهو ليس بالأمر السهل.

وفي حال اتخذن القرار بالمواجهة، غالباً ما تضطر النساء إلى الدفاع عن أنفسهن بنفس الأدوات التي يحارَبن بها، لأنّهن ما زلن في خضمّ تلمّس آلياتهنّ الخاصة التي لم يستطعن تحديد استراتيجياتها بعد. ضمن هذه المعطيات، يحدث أن تكتسي ردود أفعالهنّ صبغة ذكورية، فينجررن بدون وعي نسوي إلى ساحة نزال تحكمها عقلية وقيم وأحكام وقواعد لم تشارك النساء في وضعها، تقوم على الهيمنة والقوة والسيطرة من منظور سلطوي وضعه النظام الذكوري، وبالتالي تساهم النساء في ترسيخ القيم التي تجعلهنّ في مرتبة أدنى ضمن المنظومة المُهيمنة.

لقد حان الوقت لتركيز الجهود في البحث عن أدوات تعبّر عن الوعي النسوي، بعيداً عن المعايير السلطوية القائمة، لمواجهة التحديات المضاعفة التي تواجه النساء وتردع كثيرات منهنّ عن المضي قدماً في خيارات جديدة، وهي من شأنها في حال توفّر الدعم والإصرار والتضامن النسوي، أن تسهم في إعادة تشكيل المعايير والقيم التي تحتفي بالتنوع والاختلاف، في كل مجال تقرّر النساء الخوض فيه.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد