شماعة اسرائيل وسلم السلطة!

   منذ ما يقارب القرن من الزمان ارتأت الحكومة البريطانية وحلفائها أن تؤسس مجموعة اشكاليات في قلب الشرق الأوسط على انقاض الدولة العثمانية، لا لسواد عيون شعوب المنطقة، بل لمصالح اقتصادية وسياسية طويلة الأمد ترتزق منها سدنة المملكة العجوز من حروب وصراعات ومعارك تحرير وانقلابات وثورات بيضاء وملونة، وتجارة لا تبور للسلاح والخبراء والمعدات، في كل المراحل التي مضت حيث نهضت ممالك وإمارات وجمهوريات واشتراكيات وملوك وأمراء وأباطرة وقادة ليس لهم مثيل في الأرض إلا في صفائح بريطانيا التي تمتلك أسرار الأرض والحكومات، وفي خضم هذه التداعيات يتم ادغام فلسطين وكردستان في كيانات سياسية مصنعة من ركام التناقضات والمؤامرات والمصالح والمزايدات وتصبح واقع حال تفرضه الإرادات رغم حروب التحرير التي أنتجتها تلك الكيانات حفاظا على كراسيها وما فعلته أجهزة إعلامها وأئمة منابرها بملايين البشر من سكان دولها وممالكها، حيث الإثارة والتهييج والعبث بمفاتيح الغرائز وتسييس الأديان وإشاعة فكرة الجهاد لمقاتلة الكفار، وإلغاء العقل والحكمة في حل الإشكال، كل ذلك لا لشيء إلا لأبعاد طوابير الجياع والمحرومين وإلغاء الآخرين وقمع المعارضين واحتكار المال والسياسة والدين، فاصبحت كردستان أربعة اجزاء في أربع كيانات بينما غدت فلسطين راقصة بلا جسد على كل المسارح وفي كل العواصم، تتناقلها الأحضن الملوثة في قصور الرئاسة ورئاسات الأركان وأقبية المباحث والاستخبارات وأبواق الطبالين والمزمرين في أجهزة الإعلام من الخليج إلى المحيط، وعلى أنين المهاجرين وبؤسهم تقام المهرجانات والإحتفالات وتتخم الجيوب والبطون بالتبرعات وصفقات السلاح والبترول وعشرات المؤتمرات ذات اللاءات والصيحات وخلف الكواليس يتعانق أبناء العمومة القادمين من الكرمل وجبل صهيون بينما ينتظر الملايين قرارات القمم وخطابات القادة الميامين.

  أكثر من سبعين عاماً وفلسطين راقصة بلا جسد تنتهكها قوانين الخيمة والصحراء، وأعراف الملالي وسلاطين الظلام وعقود من تهميش العقل والعقلاء واغتيال الحكمة والحكماء ومسخ المواطنة واعتماد العواطف والغرائز ونوازع الشر والحرب وقوانين الغاب، وكل الأنظمة دونما استثناء من الباب إلى المحراب يتغازلون مع (ابنة العم) في الليل والنهار، واليوم بعد اكثر من سبعين عاما على قيام دولة إسرائيل، وما يقرب من أربعين عاما على توقيع اتفاقيات السلام والإعتراف المتبادل بينها وبين كل من مصر والأردن وفلسطين وانتشار سفاراتها وقنصلياتها من موريتانيا حتى المنامة، وامتداد مصالحها التجارية والسياحية والصناعية والإستخبارية من الرباط إلى طرابلس الغرب وتونس وصولا إلى سوريا ولبنان والخليج، وجولات حزب الله وحماس وفتح وبقية المنظمات المكوكية معها في تل أبيب أو على الحدود سواء للمصالح الحياتية للسكان أو لمستقبل الوطن الذي تأخر قيامه بمزايدات الإعلام البائس وخطاب المزايدات وعنترياته الفارغة!

   ترى بعد كل هذا هل ستبقى آذان صاغية لتلك المزايدات الرخيصة والبلهاء عن العلاقات مع إسرائيل، والتهم البائسة لكل من يفضح نظامهم المتخلف وعقليتهم الجوفاء التي أوصلت شعوبهم إلى هذا المنحدر الخطير من التقهقر والضياع بينما يتسلق الآخرون ناصية الحضارة والسمو، وازاء ذلك يتساءل احدنا بتجرد عما ورثناه من طريقة في التفكير ونمط في السلوك، وبتطهر ولو برهة من أنجاس النفاق والتدليس والإزدواجية والإلغاء والإقصاء والإستبداد وثقافة المؤامرة وكيل التهم، ويدع ضميره الإنساني يصحو قليلا ليسأل أو يتساءل:

هل كان زعماء مصر وهم قادة أعظم دول العرب وأكثرها تضحيات من أجل فلسطين، بل وأكثر قادة العرب نضالا من أجلها، هل كانوا خونة وعملاء!؟ هل نستخرج رفات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس ونعدمهم بتهمة زيارة اسرائيل أو لقائهم مع إسرائيليين؟ وكيف لنا أن نُعرف سميح القاسم وعشرات من أعضاء الكنيست الإسرائيلي من عرب ودروز إسرائيل وفلسطين؟

وهكذا تتوارد الأسئلة مفعمة بالآهات والحيرة والوجع المتكلس، وحتى يهدينا رب العباد فلا حاجة لنا بعلاقة مع إسرائيل لا في كوردستان ولا في العراق، لسبب بسيط وهو أننا لم ننجز علاقاتنا مع بعضنا كما ينبغي، وما زلنا نتذابح من الوريد إلى الوريد، فما قتل منا بأيدينا في احترابنا منذ تأسيس دول سايكس بيكو حتى اليوم هو أضعاف أضعاف ما قتل على أيدي جنود إسرائيل!؟

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد