فالج لا تعالج… فيما يخص الإئتلاف وحركاته الانقلابية والتصحيحية!

لا يبدو أن ما يحصل في كيان “الائتلاف” السوري المعارض، أو ما يحصل له، يحظى على أي اهتمام في أوساط السوريين في الداخل والخارج، بل إن معظمهم، في حقيقة الأمر، لا يدرون عنه شيئا، ولا يبالون به، منذ زمن طويل، إذ أن ذلك الائتلاف تمت هندسته بطريقة تجعله مجرد تشكيل بيروقراطي، لا صلة له بمجتمعات السوريين، ولا عبر أية توسطات، أو تشكيلات مدنية، ولا حتى فيما يخص حمل قضيتهم، وتمثيلها، والتعبير عنها، وهو أكثر شيء أخفق فيه في مسيرته الطويلة.

 باختصار، “لا يصلح العطار ما أفسد الدهر”، أو “فالج لا تعالج”، إذ إن هذين المثلين يختصران، أو يكثفان، في دلالاتهما حال الائتلاف ككيان سياسي، فرض من فوق، ونشأ منذ البداية قاصرا، وعاجزا، وتابعا، بحيث أضحى بمثابة عبء على الشعب السوري وقضيته، وقيدا على إمكان تطور حركته الوطنية، سيما أنه احتل رسميا، منذ عشرة أعوام، مكانة المعارضة السورية.

لنلاحظ، الآن، أن جماعة تصحيح مسار الائتلاف وجماعة الانقلاب في الائتلاف (مع جواز التبديل بالتسمية بحسب الوضع)، هم الذين تحكموا، طوال السنوات الماضية، في هذا الكيان السياسي، ورسموا مساراته، وخطاباته، وعلاقاته، وطرق عمله، وحددوا ارتهاناته وخياراته، وحولوه إلى مجرد كيان مغلق عليهم، أو إلى كيان يستعصي على الانفتاح والتغيير والتطور.

اقرأ أيضاً: انتهازية النظام الأردوغاني.. أسلمة في الواجهة وفاشية طورانية في الجوهر

منذ نشوء الائتلاف، بالطريقة التي تم تركيبه بها، وبالأطراف الخارجية التي رعته ومنحته الدعم والشرعية والنفوذ، السياسي والمالي والعسكري، نشأت معه أزمته، فهو:

 أولا، مجرد كيان سياسي فرض على السوريين من خارجهم، واحتل مكانة المعارضة، بفضل بعض الأطراف الخارجية، عربية وإقليمية (قطر وتركيا أساسا)، بمعنى إنه لم ينشأ نتيجة حراكات وتفاعلات سياسية بين الشخصيات والقوى السياسية المعارضة والفاعلة في سوريا.

ثانيا، هو لم ينشأ الائتلاف من قوى أو مكونات حية وفاعلة وتمثيلية بين مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، إذ كل مكوناته ليس لها وجود حقيقي، ولا تعبر عن كتلة سياسية أو مجتمعية، وبعضها لا يكاد يكون له وجود حتى على الورق.

 ثالثا، بات الائتلاف مجرد كيان مغلق لشخصيات محددة تتداول المواقع فيما بينها، مع كل الامتيازات، مع نزعة استحواذية تشكل عائقا أمام أية خطوة لتحويله الى كيان وطني جامع للسوريين.

رابعا، تبعا لكل ما تقدم، فثمة فجوة واسعة بين الطبقة السياسية المتموضعة في هذا الكيان ومجتمعات السوريين، وهذا يشمل مجتمع السوريين في تركيا ذاتها، والملاحظ أن القائمين على الائتلاف لم يشتغلوا البتة على إيجاد فروع أو ممثليات منتخبة للائتلاف في تركيا وفي البلدان الأوروبية مثلا، بحيث باتت مجتمعات السوريين بعيدة تماما، وتعاني من ظاهرة الفراغ السياسي، وفي المحصلة فإن عطالة الائتلاف عكست نفسها على بتعطيل الطاقة السياسية الكامنة عند السوريين في كافة أماكن تواجدهم.

خامسا، مفهوم أن الائتلاف لم يستطع أن يقدم شيئا في إدارة الصراع ضد النظام، بسبب من الظروف الموضوعية الصعبة، سيما أن النظام استمد قدرته على البقاء من دعم روسيا وإيران بلا حدود له، في مقابل خذلان الشعب السوري، والتنكر لقضيته، من “الأصدقاء”، لكن ذلك لا يشفع لقيادة الائتلاف عدم بذلها أي جهد حقيقي لفتح الائتلاف أمام التطور، أو للتحول إلى منبر حقيقي للسوريين، حتى جهاز إعلامي، وهو أسهل وأبسط شيء، فإن الائتلاف فشل بشكل ذريع في هذا المجال، رغم كل الموارد المالية والبشرية المتاحة.

سادسا، ظل ولاء هذا الكيان للأطراف الخارجية الراعية له، أكثر مما كان ولاؤه لتمثيل مصالح السوريين، وصيانة مسار ثورتهم، يأتي ضمن ذلك سيره في مسار مفاوضات استانة، وسوتشي، وانخراطه في مناقشات اللجنة الدستورية، علما أن الجميع يعرف أنه لام يحصل البتة أية مفاوضات مع النظام، وان كلها كانت مجرد تضييع وقت، وامتصاص لقضية السوريين، كما إن كل تلك المسارات تمت لمراعاة الدولة الراعية، أي تركيا، رغم أن تلك المفاوضات تمت تحت سقف ثلاثي استانة، أي الذي يضم حليفي النظام أو شريكيه في قتل السوريين وتشريدهم.

على ذلك فإن “إكرام الميت دفنه”، وهذا المولود منذ البداية لم يولد صحيحا، أو تمت ولادته بطريقة قيصرية كي لا يعيش أو كي لا يستطيع القيام بالمهام التي يفترض بكيان سياسي لثورة أن يضطلع بها.

مفهوم أن السوريين كانوا محرومين من السياسة، والعمل السياسي، طوال أكثر من نصف قرن، وأن ضعف التجربة، والافتقاد لقوى ولخبرات سياسية هو الذي سهل للطبقة السياسية التي تشكلت في الائتلاف البقاء، سيما مع الرعاية الخارجية، مع ذلك يبقى أن السوريين بحاجة فعلا لكيان وطني جامع، يتمثل مقاصد ثورتهم النبيلة، في الحرية والمواطنة والديمقراطية، كيان يقوم على التعددية والتنوع، ويشبه شعب سوريا، وهذا ما يتحمل مسؤوليته كل السوريين المعنيين، من ناشطين وسياسيين ومثقفين.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد