“ثورة” 8 آذار .. حزب البعث ينقلب على السوريين مجدداً

لم يكن يوم 8 من آذار من العام 1963 يوماً عادياً بتاريخ سوريا وذاكرة أبنائها، فهو اليوم الذي انقلب فيه حزب البعث العربي الاشتراكي عسكرياً على الرئيس ناظم القدسي ورئيس حكومته خالد العظم، ومهد الطريق لاستلام “حافظ الأسد” الذي استمر حكم عائلته حتى تاريخ اليوم.

حاول النظام السوري عبر السنوات الماضية تغيير اسم عملية الانقلاب إلى اسم “ثورة 8 آذار” وألحقها بكلمات “المجيدة أو المباركة” وغيرها من الكلمات المديح، لطمس عملية الانقلاب العسكري الذي راح ضحيته ما يقارب 800 شخص بين مدني وعسكري، وانتهى بسجن كل الضباط وأصدقاء “حافظ الأسد” ممن شاركوا معه بعملية الانقلاب.

وبدأ رئيس النظام السوري منذ استلامه الحكم عام 1970 بتوطيد ركائز حكمه عن طريق حزب البعث الذي تفرد بقيادة والسيطرة على كافة نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والتربوية وغيرها.

وتعرض الكثير من السوريين للملاحقة والاعتقال والترهيب، ممن رفضوا الالتحاق بحزب البعث والانتساب إلى صفوفه، في الوقت الذي بدأ فيه بأدلجة عقول الطلاب والأطفال وربط مستقبلهم بالخضوع والانتساب له.

حتى أن أجهزة النظام السوري اعتقلت، أشخاصاً مطلع الأسبوع الحالي، من بلدة السبخة بمحافظة الرقة على خلفية تقديمهم الاستقالة من عضوية حزب البعث.

حيث داهمت عناصر من قوات الأمن منازلاً لأشخاص استقالوا من حزب البعث واعتقلتهم بتهمة “الإرهاب”، وبالرغم من انتساب بعضهم للحزب منذ عشرات السنين.

وقالت مصادر محلية أن “هؤلاء الأشخاص يرغبون بالسفر للخارج، وعملية ارتباطهم بالحزب قد تؤثر على حياتهم في المغترب وتعيق سفرهم، فقرروا الاستقالة، ليتفاجؤوا باعتقالهم”.

عودة الحزب “الحاكم للدولة والمجتمع”

استطاعت الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، إجبار رئيس النظام السوري الحالي بشار الأسد، على إجراء تعديلات دستورية خلال محاولاته الفاشلة بامتصاص غضب الشارع، ومن بين المواد التي عدلت وألغيت هي المادة “الثامنة من دستور عام 1973 الذي وضعه حافظ الأسد”.

وتنص المادة الثامنة التي ألغيت عام 2012 على أن “حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع”، ونظراً للظروف السياسية والأمنية التي سادت منذ اندلاع الثورة السورية تراجع دور حزب البعث بشكل كبير، بعد عن انسحب الملايين من السوريين المنتسبين “إجبارياً” من صفوفه.

وبدا التراجع واضحاً لحزب البعث ضمن مؤسسات الدولة من الجامعات والمدارس وغيرها، ووصل أعداد منتسبيه لبضعة آلاف فقط من المستفيدين والمتورطين بجرائم سرقة أو تشكيل ميليشيات عسكرية تحت مسمى “كتائب البعث” التي قاتلت ضمن جبال اللاذقية وريفها.

ومع استرداد النظام السوري للكثير من المناطق بعد التدخل الروسي بمجريات المعارك لصالح النظام، واستقرار الظروف الأمنية نسبياً في مناطق سيطرته، عاد حزب البعث لنفس الممارسات وآليات فرض السيطرة على أجهزة الدولة الخدمية والاجتماعية والتعليمية.

ورجعت شعارات وأعلام حزب البعث للظهور على جدران المدارس والجامعات والمشافي، وبدأ بفرض تكرار شعارته داخل المدارس (أمة عربية واحدة .. ذات رسالة خالدة)، وفق ما قال أهالي عدة طلاب لـ”الاتحاد ميديا”.

أما في الجامعات فكثف من حضوره عبر “مكاتب وشعب”، فرضت مراجعتها على أي طالب يرغب بالتسجيل في الجامعة، لإقناعه بالانتساب لحزب لبعث مما يسهل له فرص وجود وظائف حكومية عند التخرج أو دخوله للهيئة الطلابية خلال دراسته الجامعية.

كما بدأ عناصر “أمنيون” من حزب البعث للاستيلاء على مداخل ومخارج الجامعات، إذ تعرض طالب طب بشري في جامعة تشرين باللاذقية للضرب من قبل عناصر حرس السكن الجامعي التابعين لحزب البعث، بسبب دخوله بلباس رياضي للسكن.

الأمر الذي شكل موجة غضب واستياء داخل الجامعة، واضطر حزب البعث لإصدار تعميم “حرّم” فيه “الضرب داخل الجامعات”.

البعث موجود أين ما كنت!

قال أحد الناشطين لـ”الاتحاد ميديا”، يحاول النظام السوري، إدخال حزب البعث بكافة جوانب حياة السوريين، حتى ضمن طوابيرهم، فتخيل أن تسليم المازوت والغاز وحتى السكر الذي يتم عبر الطوابير يجري عن طريق مشرفين من حزب البعث”.

وتابع الناشط، “عادت اليوم الوساطات والمحسوبيات والفساد بشكل أوضح، فاليوم يتم اختيار البعثي وتفضيله عن أي شخص آخر للمناصب الإدارية أو للبعثات الخارجية وحتى توزيع المساعدات”.

أشار الناشط الذي فضل عدم الكشف عن اسمه إلى “محاولات حزب البعث إلصاق نفسه بأي عملية اجتماعية أو سياسية تجري، وعاد لطريقة الأدلجة وربط المستقبل به وحيداً دون أي شيء آخر”.

وعاد التركيز ضمن المدارس على مادة “التربية الوطنية/القومية” التي تتلخص دروسها حول مبادئ ومنطلقات حزب البعث وأفكاره، وتمجد بأمينه العام “بشار الأسد.

ويصف مراقبون عودة حزب البعث إلى مفاصل المجتمع والدولة، بمحاولة انقلاب جديدة يكررها النظام كل 8 من آذار، على السوريين أنفسهم ممن تبقوا ضمن مناطق سيطرته.

يشار إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب الحاكم في سوريا منذ عام 1963 وهو عبارة عن حركة تأسست في 7 نيسان/أبريل 1947 من قبل ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي، وهو ما لا يعرفه الكثير من السوريين بسبب ربط حافظ الأسد اسمه باسم البعث، وإطلاق للقب “القائد المؤسس” على نفسه.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد