نشرت مجلة vogue. البريطانية قصة نجاح لاجئة سورية، أُجبرت على ترك بلدها بسبب الحرب، وتألقت في سماء بريطانيا، لتكون أول لاجئة تشغل منصب كابتن طائرة.
روت مايا غزال قصتها لمجلة vogue وذكرت أنّها أُجبرت في عام 2015 أي عندما كانت تبلغ من العمر 16 عاماً فقط على الفرار من منزلها في دمشق برفقة والدتها وشقيقيها الصغيرين، وتوجهت إلى المملكة المتحدة للم شملهم مع والدها الذي كان قد ذهب قبلهم بعام هرباً من الحرب السورية، ولبدء حياة جديدة له ولعائلته في مكان آخر.
كيف كانت بداية اللجوء في بريطانيا بالنسبة لمايا غزال وعائلتها؟
لم يكن اللجوء بهذه السهولة بالنسبة لشابة مليئة بالأحلام والطموحات كمايا غزال، وفي حديثها مع TEDx Palais Des Nations Women عام 2019، قالت: “أنا لاجئة سورية، وامرأة أيضاً، عملت على تحدي كل افتراض بشأني وبشأن المجتمع الذي قدمت منه، وتعبت كثيراً كي أصل إلى ما أنا عليه الآن”.
روت مايا في ذلك الحديث ما عانته من صعوبات كلاجئة في بريطانيا، وذكرت خمس نقاط أساسية ترى أنه من المُفترض تغييرها بالنسبة للتعامل مع اللاجئين السوريين واللاجئين عموماً.
لا للتصنيف!
قالت مايا في مقابلتها مع TEDx Palais Des Nations Women: “لا تصنفني أنا وأي لاجئ آخر في أي مكان نذهب إليه، ولا تشيروا إلينا باسم لاجئ، فأنا قبل كل شيء إنسان مثلكم”.
لم تكن رغبة مايا مشابهة لرغبة جميع أصدقائها منذ الصغر، الذين كانت أحلامهم أن يصبحوا أطباء أو مهندسين، فلطالما كنت ترغب في أن تكون دبلوماسية أو سفيرة، وكان طموحها دراسة العلوم السياسية، لكنّ طموحاتها تلاشت مع بدء الحرب في سوريا.
وقالت: “أسوأ ما في سوريا كان الخطر الكبير الدائم الذي تعرّضنا له، والذي أجبرنا على ترك منازلنا، ولحسن الحظ حصلنا على حق اللجوء وذهبنا إلى المملكة المتحدة”.
في 27 أبريل، سافرت عائلة مايا إلى برمنغهام عبر تركيا، وكان لديها آمال كبيرة وأحلام اعتقدت بأنها ستحققها بسهولة في بريطانيا، لكنّ اعتقاداتها لم تكن صحيحة، فقد صُدمت بطريقة معاملة اللاجئين في بريطانيا، والخوف الكبير منهم، الذي جعلها تفقد رغبتها في الخروج من المنزل.
عقدة اللاجئ
ذكرت مايا في حديثها أنّ اللاجئ هو كأي شخص آخر، لم يختر ما حدث معه، وليس له ذنب في أي شيء، لكنه فقد منزله، خسر عائلته وأصدقائه، واضطر للبحث عن الأمان في بقعة أخرى من الأرض، وأضافت: “لا يجب أن نكون مشكلة بالنسبة لغيرنا، فقد بات اللاجئون هم المجموعات الأكثر تعرضاً للعنف والتمميز من قبل جميع المجتمعات في العالم”.
وجهت مايا اللوم على السياسيين الذين نشروا في بلدانهم فكرة أن اللاجئين هم الذين يشكلون خطراً على البلد التي يذهبون إليها، الأمر الذي خلق خوفاً كبيراً من كلمة “لاجئ” عند جميع المجتمعات حول العالم.
وقالت مايا: “خسارة منزلي وأصدقائي ومدرستي وجيراني لم تكن خياري، لم نختر نحن اللاجئون ما حصل معنا بكل تأكيد، نحن مظلومون ويجب معاملتنا بطريقة مختلفة”.
الطريق الوعر إلى مقاعد الدراسة
رُفضت مايا من ثلاثة مدارس في برمنغهام وقالوا أن السبب في ذلك هو عدم قدرتهم على وضع قانون يتعلق بشهادات التعليم الثانوي السورية الخاصة باللاجئين الوافدين إليهم.
وتابعت مايا: “قيل لي إنّني لا أملك أيّ مؤهل، وبالتالي لن أستطيع مواصلة دراستي، وعلى الرغم من محاولاتي لإجراء اختبار في بعض المدارس لكنهم رفضوا ذلك، الأمر الذي جعلني أشعر بالخوف والعزلة”.
ولحسن الحظ بعد ثلاثة أشهر سًمح لمايا بإجراء اختبار، لكنّ لغتها الإنجليزية لم تكن جيدة بما يكفي، وساعدها إتقانها للعلوم والرياضيات على الحصول على موافقة من إحدى الكليات، واختارت حينها دراسة الهندسة الطبية بعد تشاور مع عائلتها، وتركت طموح أن تصبح دبلوماسية جانباً.
لكنّها لم تستمر في دراستها، وغيّرت نظرتها تجاه الهندسة الطبية في العام اللاحق ورأت أنّ حلمها الحقيقي هو الطيران.
هندسة الطيران حلمٌ تحقق
قالت مايا في مقابلتها مع مجلة vogue. البريطانية: “كنت أجلس في أحد الأيام مع والدتي في فندق بجوار مطار هيثرو، وشدّني شكل الطائرات وهيكليتها الكبيرة، وقلت في نفسي أنا أعرف حلمي، حلمي هو أن أتحكم بهذه الطائرات، وأكون قائدتها”.
وحينها اختارت مايا ترك الهندسة الطبية، والتوجه إلى هندسة الطيران، وعلى الرغم من تحذيرها من صعوبة الوضع لكونها لاجئة عربية، إلا أنها أصرّت على أنها قادرة على الوصول إلى حلمها، وأضافت: “وودت أن أثبت للناس أن اللاجئ الذي تشعرون بأنه عبء عليكم، يمكنه أن يكون طياراّ ، يمكنه أن يكون كل ما يريد ويمكنه أن يثبت نفسه في جميع المجالات”.

الرحلة الصعبة إلى الجامعة
انتقدت مايا عدم وجود دعم للأماكن الجامعية الخاصة باللاجئين، وبصعوبة كبيرة تمكنت من الحصول على مكان لها في جامعة برونيل لدراسة هندسة الطيرات، لكنّها قالت أن هناك الآلاف من اللاجئين الراغبين بالذهاب إلى الجامعات ولا أحد يستقبلهم، والجامعات التي تقبلهم تمثل 1 في المائة تقريباً في بريطانيا.
طالبت مايا بتوسيع المنح الدراسية وتوفير المزيد من المقاعد للاجئين، وذلك لمنحهم القدرة على إثبات أنهم أشخاص كفؤ قادرين على التعليم، والتدريب، والحصول على شهادات والتألق في جميع مناحي الحياة.
لم يكن مقعد الدراسة هو العائق الوحيد أمام مايا، بل ولكونها فتاة أصبحت الصعوبات عليها مضاعفة، وقالت في حديثها مع TEDx Palais Des Nations Women: “للأسف 5 في المائة من الطيّارين حول العالم هم نساء، هناك مشكلة كبيرة في هذه الإحصائية يجب حلّها، يجب إزالة جميع الحواجز وجعل هذه المهنة متاحة أمام النساء وعدم تقييدهم ومنعهم عنها بسبب جنسهم”.

تكريم أميري
حققت مايا حلمها في عام 2020 لتصبح أول لاجئة سورية تعمل كقائد طائرة، وقالت إنّ أكثر اللحظات فخراً بالنسبة لها، كان تكريمها من قبل الأمير ويليام وشقيقه هاري بصفتها أول فتاة لاجئة عربية تعمل كقائد طائرة.
وتابعت: “أفخر بعملي مع المفوضية السامية للأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين، فلطالما رغبت في العمل لمساعدة جميع العائلات على لمّ شملها، خاصة وأنّي كنت محظوظة لشملي بقوانين لم الشمل في بريطانيا، ولو كان عمري 18 عاماً لم تكن الحكومة البريطانية لتسمح لي بالذهاب مع عائلتي، وهو أمر مخيف ومرعب”.
حق الحلم
قالت مايا: “أرغب في الحصول على رخصة تجارية، فأنا أودّ أن أتمكن من الهبوط بطائرتي في سوريا، لن أتخلى عن سوريا ، سأعود إليها في يوم ما وأنا فخورة جداً بتاريخي وبمن أكون”.
وتابعت في لقائها مع TEDx Palais Des Nations Women :” لن أنسى شعبي الذي يضم فتيات ونساء سوريات يعانين من التمييز، أنا لاجئة سورية قائدة طائرة، وفي طريقي لأن أحلّق بطائرتي وحدي، أعرف بأنّ البعض لن يرغب بوجودي في قمرة التحكم وسيخافون مني، لكنّني أؤكد أنني سأؤدي وظيفتي كما سيؤديها غيري وأفضل”.
وأنهت حديثها بقولها: “عندما تنجخ امرأة تنجح النساء جميعاً، سأفعل كل ما بوسعي لأحقّق حلمي، وقريباً ستسمعون صوتي من قمرة التحكم أقول لكم معكم مايا قائدة هذه الطائرة”.