نشرت مبادرة منصة الحلول الدائمة “DSP” بالتعاون مع المجلس الدنماركي للاجئين ولجنة الإنقاذ الدولية IRC وبمساعدة مالية من البرنامج الإقليمي الأوروبي للتنمية والحماية (RDPP)، الشهر الماضي، تقريراً تفصيلياً عن صعوبات “إيجاد حلول دائمة” للسوريين النازحين بشكل خاص في مناطق شمال شرق سوريا، حصلت الاتحاد ميديا على نسخة منه.
وشارك في إعداد التقرير التفصيلي، مجموعة من المنظمات الدوليّة التي سبق لها وأن عملت في مدن وبلدات شمال وشرقي سوريا وهي: منصة الحلول الدائمة (DSP) ومجموعة التنسيق الدولية (نيس فورم-NES Forum) ومركز آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية ومنصة مؤسسات المجتمع المدني في شمال شرق سوريا (NES NGO Platform) ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC) ومنظمة الرؤية الدولية (World Vision) وميرسي كوربس (Mercy Corps) ومنظمة آيماب (Immap).
ووفقاً للتقرير ففي نهاية عام 2020 بلغ عدد السوريين الذين نزحوا داخل سوريا 6.7 مليون، مقابل 6.8 مليون طلبوا اللجوء في الخارج.
ويقول ماجد يوسف داوي، رئيس مجلس إدارة مركز آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية: “مع استمرار الأزمة السورية، وعدم وجود بصيص أمل من الفاعليين الدوليين والإقليميين لحل الصراع السوري، تزداد معاناة اللاجئين والنازحين والمهجرين قسرياً، ولا يتم أخذ ملف النزوح على محمل الجد من قبل اطراف الصراع والفاعليين السياسيين المحليين؛ إذ أن أنظار المجتمع الدولي كانت متوجهة بشكل خاص للنازحين السوريين في شمال غرب سوريا، فإن أهمية هذا التقرير تكمن في تقديم إحاطة عامة لموضوع النزوح وأسبابه وظروفه ومشاكله وحلوله في شمال وشرقي سوريا”.
ويضيف داوي : “الغاية الأساسية هو معرفة وتحليل مشكلة النزوح في شمال وشرقي سوريا، والبحث عن الحلول الدائمة لها ودراسة المشاكل القانونية والأسباب التي أدت إلى حدوث النزوح، من ثم البحث عن توصيات لحل هذه المشاكل”.
ويسرد داوي للاتحاد ميديا: “نادراً ما نشاهد تقارير مشتركة بين منظمات محلية ودولية، والأهمية تكمن أن المنظمات المدنية في شمال وشرقي سوريا تعرف احتياجات المجتمع ومشاكله، وغالباً ما كانت التقارير الدولية قاصرة لأنها كانت تدون دون أن ترعى الظروف المحلية. مركز آسو للاستشارات والدراسات الاستراتيجية ساهم بشكل كبير في تسهيل الوصول إلى المجتمعات المحلية، وذلك من أجل أن نصل إلى الفهم الصحيح للمشكلة والبحث عن الحلول الممكنة”.
وأوضح داوي: “هذا التقرير كانت الخطوة الأولى، وسوف يتم العمل على حملات مناصرة من أجل تسليط الأضواء على قضايا وهموم النازحين في الفترات القادمة، والضغط على الفاعليين الدوليين والمحليين من أجل معالجة القضايا حسب الأولويات. حيث أنه لا يمكن معالجة كافة قضايا ومشاكل النازحين والتي هي أكبر من إمكانات المنظمات الدولية والمحلية، وتحتاج إلى استقرار سياسي وأمني نوعا ما”.
النزوح في شمال شرق سوريا وأسبابه:
وشهدت مدن وبلدات شمال وشرقي سوريا، منذ عام ٢٠١١، نزوحاً كبيراً نتيجة لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والقصف الجوي للنظام السوري، وزادت حدّة النزوح منذ عام ٢٠١٩، بعد الاحتلال التركي لمدينتي سري كانييه وتل أبيض؛ إذ نزح حوالي ٢٠٠ ألف شخصاً.
وتسبّب النزاع المستمر في مناطق شمال وشرقي سوريا، وأزمة المياه إلى فرار سكان المنطقة بشكل متزايد بحثاً عن الخدمات والاحتياجات الأساسية، وفقاً للتقرير الذي يسعى إلي تقييم فعالية الحلول الدائمة في المنطقة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية.
وشمل التقرير مواضيع متعددة من بينها أسباب تتعلق بالسلامة الجسدية والقانونية، والمادية والنفسية والاجتماعية، والتي أدّت إلى صعوبة وجود حلول دائمة لأزمة النازحين في منطقة شمال وشرقي سوريا.
وبحسب التقرير: “لا يمكن اعتبار الظروف مواتية لإيجاد حلول دائمة في مناطق شمال شرق سوريا، ما لم تضمن السلطات الموجودة فيها (السلامة الجسدية) لجميع الأشخاص (النازحين وغير النازحين) من جميع الأعمار والأجناس والتوجهات الجنسية”، وتضمن لهم عيش حياة خالية من أي تهديد”.
ووجد التقرير أنه في مناطق شمال شرق سوريا، لا تزال ظروف السلامة الجسدية بالنسبة للنازحين ضئيلة جداً، وشمل التقرير مجموعة من النقاط المتعلقة بالسلامة الجسدية للنازحين، ومنها “حرية التنقل” والتي تختلف حسب مكان الإقامة وتاريخ النزوح والتي زاد من صعوبتها فيروس كورونا، حيث يواجه النازحون قيوداً على الحركة داخل وخارج مناطق شمال شرق سوريا.
وتطرق التقرير أيضاً إلى “أعمال العنف”، حيث تزايدت المخاوف بشأن أعمال العنف بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، فضلاً عن الصراعات بين قسد والنظام السوري.
وزادت داعش من خطورة الوضع، عبر نشاطها المستمر وتهديدات السلامة الجسدية والأمن لسكان منطقة شمال شرق سوريا، الأمر الذي حدّ من احتمال حدوث الحلول الدائمة بشكل أكبر، وفق التقرير.
وكان “للهوية الجنسية” أثراً كبيراً على ضمان إيجاد “حلول دائمة” في شمال شرق سوريا، مع الزيجات المبكرة التي تؤثر على الفتيات، إضافة إلى عمالة الأطفال التي أثرت على الأطفال والمراهقين، طبقاً للتقرير.
وزادت نسبة “الصعوبات التي يعانيها ذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة النساء” من صعوبة إيجاد “حلول دائمة في المنطقة”، حيث تتعرّض النّساء ذوات الاحتياجات الخاصة بشكل كبير لسوء المعاملة في هذه المناطق.
والسبب الأكثر أهمية الذي جعل عملية طرح “حلول دائمة” قضية صعبة، هو عدم توفر معلومات كاملة خاصة بالنازحين السوريين داخل وخارج مناطق شمال شرق سوريا، فجميع المعلومات المتوفرة هي عاجزة عن تقديم صورة شاملة لتتمكن المنظمات عن طريقها من صنع قرار ووضع حلّ لها، حسبما يشرح التقرير.
ويؤكد التقرير بأنه: “لا يمكن للحلول الدائمة أن تزدهر من غير (توفرّ المواد الأساسية) التي تسمح للأشخاص النازحين وغير النازحين بالحياة ضمن مستوى معيشي لائق في شمال شرق سوريا، فلا تتوافر هناك أي احتياجات مادية أساسية، مع عدم وجود بنية تحتية وخدمات أساسية تسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة”.
ركّزت المنظمات الإنسانية بشكل كبير على توفير الخدمات الأساسية في مخيمات النازحين، التي يمكن أن تعرقل التقدم في وضع حلول دائمة في هذه المناطق, وكان “نقص عدد العاملين في مجال الرعاية الصحية” من أهم الأسباب التي أدّت إلى تضرر النازحين في مناطق شمال شرق سوريا، جنباً إلى جنب مع تزايد “عدم القدرة على دفع الإيجار” الأمر الذي زاد من نسبة العائلات المشردة، وفاقم الاكتظاظ في الملاجئ ومخيمات الناجحين، نقلاً عن التقرير.
واعتبر التقرير أن “أزمة المياه الجارية، وصعوبة الوصول إلى وقود التدفئة لارتفاع أسعاره” كانا من أكثر التحديات التي واجهت مناطق شمال شرق سوريا.
وبفعل الخسائر الكبيرة في البنية التحتية والموارد البشرية، والنزوح والوضع الاقتصادي، تضرر “التعليم” في مناطق شمال شرق سوريا بشكل كبير، وعرقل عمل منظمات دولية ترغب في وضع حلول دائمة في هذه المنطقة. وبحسب التقرير فما يقدر بنحو 98 في المئة من المقيمين في شمال شرق سوريا يعانون من الفقر، ويلجأ الكثيرون إلى آليات مختلفة لتغطية نفقاتهم مثل الإعانات من قبل المنظمات الإنسانية.
صعوبة إيجاد حلول دائمة في مناطق شمال شرق سوريا
وخلُص التقرير إلى: ” أنّ الحلول الدائمة لا تزال بعيدة المنال في المستقبل القريب في مناطق شمال شرق سوريا، وستتطلب هذه الحلول تمويلاً وتخطيطاً طويل الأجل للمساعدة في التغلب على العوائق الرئيسية التي تواجه هذه المجتمعات”.
وطالب التقرير المجتمع الدولي وصنّاع القرار بـ: “تقديم دعم للأشخاص خارج المخيمات في شمال شرق سوريا، ويجب أن تتوقف الهيئات الحاكمة الإقليمية والدولية عن طلب عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا”.
مصدر المعلومات، تقرير بعنوان: NES Syria Solutions Analysis