لسنوات كان يُعتقد أن إسرائيل دمرت قدرة الأسلحة النووية السورية، من خلال غارة عام 2007 على مجمع كبر في دير الزور، لكنّ المعلومات الاستخبارية أكدت استمرار محاولات النظام السوري لتفعيل البرنامج النووي، بمساعدة كوريا الشمالية وإيران.
سوريا من الدول التي وقعت على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) منذ عام 1969 ، ومؤيدة لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل (WMDFZ) في الشرق الأوسط ، وبالتالي فهي ملتزمة باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط.
ونشر موقع ناشيونال أنترست، مطلع الشهر الجاري، تقريراً، عن مساعي النظام السوري، لامتلاك أسلحة نووية، وكيف أثرت الحرب في سوريا، على هذه المساعي، وأن تكلفة الحرب، جعلت حلم النظام السوري بامتلاك برنامج نووي عصياً على التحقيق.
وأشارت معلومات السرية نشرتها وكالة دير شبيغل الألمانية في العام 2015، إلى أنّ النظام السوري حاول تضليل العالم، ولم يتخل عن حلمه في امتلاك سلاح نووي، وهو يبني الآن مُنشأة نووية جديدة في مكان سرّي.
النووي في سوريا
في سبتمبر/أيلول عام 2007 أثبت النّظام السوري أنّه يعمل على تصنيع أسلحة نووية، بعد أن ضربت إسرائيل ضربتها الكبرى على الكبر في دير الزور، حيث كانت سوريا تبني مفاعلاً غير مصرّح به لإنتاج البلوتونيوم بمساعدة كوريا الشمالية.
في يونيو 2008، استسلم الأسد لضغط الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسمح لهم بتفتيش منشأة كبر المدمرة، وأظهرت التقارير حينها أنّ دمشق دمرت كل آثار ما كان يجري هناك، لكنّ المحققين الذريين تمكنوا من العثور على اليورانيوم الذي يُستخدم لأغراض تصنيع أسلحة نووية.
وبعدها طلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى ثلاثة مرافق أخرى، واشتبهت بمنشأة مرج السلطان الواقعة على بعد 15 كيلومتراً شمال دمشق.
بحسب أبحاث الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمتلك سوريا 50 طناً من اليورانيوم الطبيعي، وهي مادة تكفي لإنتاج ثلاث إلى خمس قنابل نووية بمجرد اكتمال إجراءات التخصيب.
وعبر معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن العاصمة عن قلقه في سبتمبر 2013، وقال في بيان: “هذا المخزون ضخم جداً ويشكل مخاطر انتشار نووي، ويمكن أن تقدمه سوريا لحزب الله أو تدعم به البرامج النووية في إيران”.
وبناءً على الوثائق التي تمكنت وكالة دير شبيغل من الوصول إليها، فإنّ نظام الأسد واصل جهوده لبناء قنبلة نووية. ووفقاً للمعلومات، تم تخزين ما يقارب 8000 من قضبان الوقود في مكان سرّي بسوريا، ومن المحتمل أن يكون نظام الأسد قد أتمّ بناء منشأة تخصيب جديدة.
وكان مرج السلطان بالقرب من دمشق موقعاً مثيراً للريبة بالنسبة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا ما أظهرته صور الأقمار الصناعية في ديسمبر 2012 وفبراير 2013.
وتعرقلت محاولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التحقيق في البرنامج النووي السوري، بسبب عدم اعتراف النظام السوري من جهة، وبسبب الحرب المستمرة في سوريا من جهة أخرى، حيث رفضت حكومة النظام السوري طلبات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الكبر والمواقع المشبوهة التي من المحتمل أنّ النظام السوري يبني فيها مفاعلات نووية مثل بلدات مصياف وقرية مرج السلطان في ريف دمشق.
القصير في حمص مخبأ جديد لنووي النظام السوري
وأشارت نتائج وكالات المخابرات الأمريكية إلى أنّ النظام السوري نقل بعض المواد من الكبر إلى مكان مخفي غرب مدينة القصير، التي تبعد أقل من 2 كيلومتر عن الحدود مع لبنان.
وظل الخبراء يراقبون الوضع عن كثب خارج القصير، واعتقدوا بداية أنّه مستودع أسلحة تقليدي لحزب الله، ولكن بعد مقارنة صور الأقمار الصناعية المأخوذة عام 2012 تبين وجود ست مبانٍ، منزل حراسة وثلاثة غرف مخفية.
والأمر الذي أثار الريبة لدى وكالة الطاقة الذرية هو ارتباط هذه المباني ببئر عميق يربط المنشأة ببحيرة زيتا في حمص، فمثل هذا الارتباط غير ضروري لمخبأ أسلحة تقليدية، لكنّه ضروري جداً لمنشأة نووية، حيث تتطلب المفاعلات النووية الوصول إلى كميات كبيرة من المياه بهدف التبريد.
وبحسب التحليلات فإن بناء المنشأة بدأ في عام 2009، وعملوا على إخفائه منذ البداية عن طريق نقل الرمال الناتجة من الحفر إلى مواقع مختلفة لجعل الأمر أكثر صعوبة على المراقبين الذين لم يستطيعوا تحديد عمق الحفر.
الأمر الثاني الذي أكد أن النقطة منشأة نووية هي أنّ مداخل المنشأة كانت تحت حراسة مشددة لجيش النظام، وفي ربيع عام 2013 شهدت المنطقة المحيطة بالقصير معارك عنيفة، لكنّ هذه المنطقة كانت تحت حراسة مشددة من قوات حزب الله المتمركزة هناك.
خبراء إيرانيون وارتباطهم بالمنشآت النووية في سوريا:
نفى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مؤتمر صحفي بعام 2015، ما ورد في تقرير نشرته صحيفة دير شبيغل الألمانية عن أنه يقوم بمساعدة رئيس النظام بشار الأسد على بناء منشأة نووية بالقرب من الحدود اللبنانية.
إلا أنّ الاستخبارات الأمريكية ذكرت أنّ هناك تحركات إيرانية في بلدة القصير في مكان وجود المنشأة المزعومة، إلّا أن ظريف قال: “هذا الادعاء مضحك”.
وقال رئيس معهد العلوم والأمن الدولي ديفيد أولبرايت في عام 2015 أنّ الصور التفصيلية التي تحلل وجود موقع نووي في سوريا كانت مرئية لثلاث سنوات، ويشتمل الموقع على ثلاثة مخابئ سرية على عمق 90 قدم تقريباً، ويوجد مرفق ثاني يمكن أن يكون عمود تهوية.
كوريا الشمالية ودورها في برنامج النووي في سوريا:
ودارت نقاشات التحركات المشبوهة لعالم الفيزياء الكوري الشمالي “تشون تشي بو” وهو عضو في مركز يونغبيون للأبحاث النووية الكوري الشمالي، خاصة بعد تفجير عام 2007، وحقيقة أنّه ظل على اتصال برئيس هيئة الطاقة الذرية السورية.
وقال مدير برامج نزع السلاح في المعهد الدولي مارك فيتزباتريك لوكالة دير شبيغل الألمانية في عام 2016: “من المحتمل أن تكون كوريا الشمالية قد قدمت المساعدة لسوريا كي تبني مثل هذا الموقع وتوفر لها المواد الانشطارية، فاكتشاف منشأة نووية جديدة في سوريا لن يكون مفاجئاً للغاية”.
ويرى فيتزباتريك أنّ إنتاج قضبان الوقود الخاصة بالمنشأة النووية سيكون صعباً جداً في سوريا، وأضاف: “إذا كان هناك 8000 قضيب وقود نووي في سوريا ، فمن الصعب تخيل أي مورد آخر غير كوريا الشمالية “.
النظام السوري يستمر في العمل على برنامجه النووي السري الخاص حتى الوقت الحاضر
أدت الحرب في سوريا إلى تعقيد محاولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية للوصول إلى المواقع المهمة في البلاد.
و في يونيو 2013 ، بعد تقييم إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن للأوضاع الأمنية في سوريا، قررت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تأجيل أي تحقق من المواد النووية حتى تتحسن الظروف الأمنية.
في 6 سبتمبر / أيلول 2017 ، شنت إسرائيل غارة جوية على منشأة مصياف بعد أن تأكدت أنها تحتوي على أسلحة كيميائية وصواريخ سورية.
في 23 آذار / مارس 2018 ، بعد عقد من الضربة على الكبر في دير الزور، اعترفت إسرائيل ضمنياً بالمسؤولية عندما سمحت الحكومة لصحيفة هآرتس بنشر تقرير مفصل للغاية عن العملية.
تضمن التقرير مقابلات مع مسؤولين سابقين في الجيش والمخابرات المسؤولين عن الغارة ، ومقابلات مع الطيارين الذين شاركوا في الهجوم ، ومقاطع فيديو مزعومة للهجوم.
ترجمة وتحرير: الاتحاد ميديا