يحتفل أهالي الحسكة، هذا العام بعيد نوروز، في ذات الوقت الذي يستذكرون فيه، التفجير الذي ضرب المدينة، قبل أربعة أعوام، وراح ضحيته أكثر من 33 مدنياً فقدوا، ارواحهم إضافة لعشرات الجرحى.
كانت الساعة حوالي الرابعة عصراً حيث بدأت تحضير نفسي بشغف غير مسبق، السماء ممتلئة بالغيوم السوداء وجميع الأحداث الأخيرة عن داعش وهجومها على قوات البيشمركة قرب إقليم كُردستان العراق، كان الحزن يخيب على روحنا جميعا.
هكذا بدأ “كاردو شيخو” روايته اتفاصيل ليلة الدم عشية نوروز الحسكة عام 2015، وهو أحد الناجين من هجوم تنظيم داعش بسيارة ودراجة نارية مفخختين جموع المحتفلين في حي المفتي، والذي أوقع العشرات بين قتلى وجرحى، كان لحصة “شيخو” منها نحو 100 شظية في مختلف أنحاء جسمه، ونجى بأعجوبة.
ويضيف “شيخو” في حديثه للااتحاد ميديا” ركضت مسرعاً إلى الحفلة، وصلت، التقيت ضمنها بأخي وبعض الرفاق، سار الحفل ورفعت الأعلام في السماء، جميع الأرواح كانت ترقص فرحا، صعد طفلان صغيران إلى الشعلة وهما خائفان من النار، ليمازحهما أحد الحضور (انتبهوا ألا تُحرقكم شعلة نوروز). ويتابع حديثه “أعلنت الحركة السياسية حوالي الساعة الساسة من عشية نوروز، حيث كنا، ذلك حداداً على شهداء البيشمركة في كوردستان والذين أُعلن عن حرقتهم على يد تنظيم داعش”.
ويقول المُحتفل مع الجموع عشية نوروز: “عم الحزن على الجميع، أخبرت رفاقي لنذهب مسرعين ربما يكون هناك احتفال آخر، قالوا لننتظر قليلاً، حتى يُسمع فجأة صوت تفجير، سيطر الهلع على الجميع، راودتنا تساؤلات، كنت حائراً، ماذا يجري؟ نظرت حولي شاهدت اخي يصيح لا تذهبوا، عودوا و إمرأة خائفة تحضن ابنها في زاوية وتبكي”.
ويروي شيخو تفاصيل ما حدث بين التفجيرين، الأول كان بدراجة نارية استهدف عدد من المحتفلين على بُعد نحو 200 متر منهم، وبين هجوم السيارة المفخخة بعد لحظات على تجمعهم التي كانت الحصة الأكبر فيها من الضحايا الذين بلغوا 63 قتيلا ونحو 140 جريحاً.
ويقول شيخو “بين هذه الرؤية والتساؤل، فجأة عم الظلام، استيقظت لأشاهد مشهداً من أفلام هوليوود، رعب ودخان وصياح ودماء في كل مكان، مشيت بعض الخطوات، وبعدها لم أتذكر شيئاً إلا أنني في المشفى”.
وأضاف شيخو “بعد تلقي العلاج الاسعافي ونجاتي من الموت وتزويدي بالدم لم يتوقف الأمر هنا، راجعت عدة مشافي آخرها في مدينة درباسية، كل ما يجول في خاطري، هل أخي حي أم ميت؟ ماذا حدث للجميع؟”.
ويتابع شيخو “تشوه وجهي وكل جسمي لم يتعرف علي أهلي بعد رؤيتي في المشفى وهم يبحثون عني، تم إسعافي إلى القامشلي وإجراء عدة عمليات، تحمل تكاليفها سيادة الرئيس مسعود البارزاني، كانت مدة العلاج حوالي العام تقريبا”.
شيخو يؤكد أنه كان في جسده أكثر من 100 شظية من التفجير، الأطباء أخرجوا أغلبها وخضعت لعمليات تجميل، لكن هناك عدد منها في منطقة الفخذ لا يستطيع الأطباء إخراجها، “وهي تؤلمني بين الفترة والأخرى، خاصة في الأجواء الحارة”.
وأضاف شيخو “عاش أخي وعشت أنا وعاش عدد من رفاقي أيضا لكن استشهدت تلك الامرأة وطفلها والطفلان الذين أوقدا الشمعة والكثير من الفراشات والرفاق في ذلك اليوم”.
بالذهاب الى مشافي الحسكة التي امتلأت بالجثث والجرحى والكثير من أهالي المدينة الباحثين عن أفراد عائلتهم، والكثير الكثير من المتبرعين بالدم الذين غصت بهم باحات المشافي، نستذكر ذاك اليوم الأليم على أهالي مدينة الحسكة.
يقول المحلل المخبري حازم حسين “عام 2015 كنت أعمل في مشفى الحكمة في الحسكة – قسم المخبر، ما شهدته عيناي كانت مأساة في تلك الليلة حيث تحول الاحتفال بعيد نوروز إلى مجزرة نتيجة التفجيرين في مكان الاحتفال المقام في حي المفتي”.
ويضيف حسين “سيارات الإسعاف كانت تأتي مسرعةً إلى المشفى حاملةً المصابين أو ربما مصاباً فقد حياته جراء التفجير، المشفى كان محاطاً بالمئات من أهالي الشهداء والمصابين والجرحى الذين أدخلوا إلى المشفى لتلقي العلاج”.
ويتابع حسين للاتحاد ميديا:” في المشفى تم فرز المصابين والجرحى إلى قسمين من قبل الأطباء الأخصائيين، قسم الحالات الحرجة والذي يتطلب التدخل الجراحي السريع في غرفة العمليات، قسم ثاني (حالات غير حرجة) يمكن تأجيلها إلى أمدٍ قريب بعد تقديم الإسعافات الأولية لهم”.
ويقول حسين:” في قسم المختبر تمَّ تجهيز العشرات من أكياس الدم للمصابين الذين يحتاجون إلى نقل الدم ، كلُّ حسب زمرته وحاجته من الدم، تمَّ تقديم الإسعافات الأولية و مختلف الفحوصات الطبية والشعاعية للمصابين والجرحى بعد تقييم الحالة الصحية من قبل الأطباء الأخصائيين في المشفى”.
حسين الذي عايش ذلك اليوم الدامي بكل تفاصيله، يقول:” صوت البكاء والنحيب كان يملأ المكان داخل المشفى وخارجه، ليلتها شهدت مدينة الحسكة تضامناً غير مسبوق من مختلف المكونات تنديداً بالمجزرة وتضامناً مع الضحايا، المئات من أبناء المنطقة توافدوا إلى المشفى للتبرع بالدم للمصابين والجرحى”.
وأضاف حسين”ستبقى تفجيرات نوروز الحسكة 2015 جرحاً عميقاً في الذاكرة لا يندمل.. الرحمة للشهداء والصبر والسلوان لذويهم ومحبيهم”.
كثير من سكان مدينة الحسكة ممن حضر الاحتفال وقتها أو ذهب مسرعاً لإحدى مشافي المدينة لتقديم ما يستطيع تقديمه للمُصابين. يقول برزان سليمان الذي كان حاضراً الاحتفال ساعة التفجير “الزمن عشية نوروز، المكان ميدان الدكتور عبدالرحمن آلوجي بحي المفتي بالحسكة، لأول مرة يجتمع هذا العدد الكبير من الكورد أطفال ونساء شيوخ وشباب عشية نوروز لإشعال شعلة الحرية”.
يضيف سليمان في حديثه للاتحاد ميديا:” حيث قدموا من كافة احياء مدينة الحسكة، بالرغم من الحزن السائد لتلقي الأنباء المتضاربة حول إحراق التنظيم الإرهابي داعش لثلاثة بيشمركة في كوردستان العراق بعد أسرهم، رغم ذلك كان القرار بأن نوروز رمز الحرية والانعتاق فلا بد من الاحتفال بإشعال شعلته”.
ويقول سليمان:” كان العدد يتجاوز ثلاثة آلاف شخص، ألقيت كلمات وقصائد بهذه المناسبة والأغاني القومية ومع نهاية الاحتفال وحوالي الساعة السادسة والربع سمعنا صوت انفجار قوي تلاه انفجار آخر الأول كان دراجة نارية و الآخر سيارة مفخخة”. وعن لحظة المأساة يروي سليمان:” انقلب المشهد رأساً على عقب، في الوهلة الاولى لم نصدق ما حدث، أصوات البكاء والعويل ارتفعت إلى عنان السماء، اقتربت من أكثر الجثث مرمية هنا وهناك، انين الجرحى، بداية رأيت زوجتي وابنتي تبكيان وتركضان و ناديتهم اين ولدينا مسعود و نيجرفان قالوا لم نراهما، ( نيجرفان كان من بين الأطفال الثلاثة الذين أشعلوا الشعلة).
سليمان يتابع في لـ “الاتحاد ميديا” ويقول :” لم يكن لدي الوقت للبحث عنهما، بدأنا بإسعاف الجرحى، إلى مشافي الوطني والحكمة، كنا مضطرين لاستخدام أية آلية لنقل الجرحى، لأن العدد كان كبيرا جدا، رأيت بأم عيني طفلا شهيدا ولا يزال علم كردستان بيديه، أبى أن يتركه، ناداني أحد الجرحى باسمي و كان السيد فهد يونس، ركضت باتجاهه، قال لا تسعفني أولا، قم بإسعاف ابو ريزان لأن إصابته أشد من اصابتي كان بجانبه الشهيد محمد عيسى ابو ريزان، وبمساعدة الأخوة الذين كانوا يقومون بإسعاف الجرحى قمنا بإسعافهم، كانت جروح البعض بليغة و البعض الآخر بين المتوسطة و البسيطة، بعدها بساعتين اتصل بي أحد الأصدقاء بأن ولدي مسعود و نيجرفان عنده في المنزل”.
ويتابع “في المشافي حتى الممرات تحولت إلى غرف إسعافية، كان يوما أسوداً لا يمكن أن ننساه أو ننسى أي لحظة منه”.
مختتماً “الإرهاب فعل فعلته الشنعاء وكانت الضحية 63 شهيد جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ وبعض الشباب، المجد و الخلود لشهداء نوروز”.