رحيل مادلين أولبرايت..أول امرأة تتولى منصب وزارة الخارجية للولايات المتحدة

توفيت مادلين أولبرايت، وهي أول امرأة تحتل منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة، يوم أمس عن عمر يناهز الـ84 عاماً، وذلك بعد معاناتها بسبب مرض السرطان.

كانت أولبرايت شخصية محورية في  عصر الرئيس الأميركي بيل كلينتون ، حيث عملت أولاً كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة قبل أن تصبح أكبر دبلوماسية في البلاد، وقد دافعت عن توسيع حلف الناتو، ودفعت إلى تدخل التحالف في البلقان لوقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وسعت إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية ، ودافعت عن حقوق الإنسان والديمقراطية في جميع أنحاء العالم.

أشاد الرئيس جو بايدن بأولبرايت في بيان مطول يوم الأربعاء ، واصفا إياها بـ “مصدر القوة” وقال إن العمل معها خلال التسعينيات عندما كان عضواً في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ كان من الفترات البارزة في حياته المهنية في مجلس الشيوخ.

وقالت كلينتون في بيان لها بغد وفاة أولبرايت: “أُجبرت مادلين وعائلتها مرتين على الفرار من منزلهم عندما كانت طفلة بسبب الحرب في أوروبا، وأصبحت لاحقاً صوت أمريكا في الأمم المتحدة، ثم تولت منصب وزيرة الخارجية”.

أولبرايت وجه للسياسة الخارجية لأميركا

كانت أولبرايت وجهاً للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الفترة الممتدة بين نهاية الحرب الباردة والحرب على الإرهاب التي اندلعت بسبب هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001 .

قامت الولايات المتحدة ، ولا سيما في العراق والبلقان ، ببناء تحالفات دولية وتدخلت أحيانًا عسكريًا لدحر الأنظمة الاستبدادية، ورأت أولبرايت أنّ الولايات المتحدة عليها أن تدافع عن القيم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم.

وقالت لشبكة NBC في عام 1998: “نحن نقف شامخين ونرى ما هو أبعد من البلدان الأخرى في المستقبل، ونرى الخطر قبل الجميع، فالحرية والديمقراطية هي ما نرغب به”.

بذلت أولبرايت الكثير من الجهد لإنهاء العنف في البلقان، وكان دورها حاسماً في دفع كلينتون للتدخل في كوسوفو في عام 1999 لمنع إبادة جماعية ضد المسلمين على يد الزعيم الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش.

أدى تفكك يوغوسلافيا الشيوعية إلى عدة دول مستقلة ، بما في ذلك صربيا والجبل الأسود وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا ، في تسعينيات القرن الماضي ، إلى إراقة دماء بشكل وحشي لم تشهده القارة منذ الحرب العالمية الثانية،  وأصبح مصطلح “التطهير العرقي” مرادفًا للبوسنة.

لم تتدخل إدارة كلينتون في ما حدث حتى مذبحة سريبرينيتشا في عام 1995 ، عندما قتل الصرب 8000 رجل وصبي مسلم ، واتهمت أولبرايت ميلوسيفيتش بخلق “رعب ذي أبعاد كبيرة وعلى الناتو التدخل”، وتعرضت أولبرايت لانتقادات شديدة في واشنطن في ذلك الوقت ، حيث وصف البعض الضربات الجوية لحلف الناتو بـ “حرب أولبرايت” بينما اتهمها آخرون بإساءة الحكم على عزم ميلوسيفيتش.

وتحقيقا لهذه الغاية ، قالت أولبرايت في عام 1999 ، “أتحمل المسؤولية الكاملة مع زملائي لاعتقادنا أنه من الضروري ألا نقف مكتوفي الأيدي ونراقب ما كان ميلوسيفيتش يخطط للقيام به”.

في النهاية ، أوقف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة العدوان الصربي ، وأعلنت كوسوفو استقلالها في عام 2008.

و شاركت أولبرايت في محادثات فاشلة لتعزيز السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وحاولت إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها النووي من خلال الانخراط مع كيم جونغ إيل.

وشهدت فترة تولي أولبرايت منصب وزيرة للخارجية تفجيرات القاعدة لسفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا ، مما أسفر عن مقتل 224 شخصاً، ووصفت الهجوم بأنه “أصعب يوم” في فترة ولايتها، وقالت أولبرايت في 11 أيلول / سبتمبر في عام 2004: “كان من الصعب للغاية  قبل 11 سبتمبر، إقناع أي شخص بأن غزو أفغانستان كان اقتراحاً مناسباً، ولكن بعد هذا اليوم فهم الناس تهديد القاعدة الكبير علينا”.

حياتها وعائلتها

تخرجت أولبرايت من كلية ويلسلي عام 1959 ، وتزوجت من جوزيف أولبرايت في عام 1959 واستمر زواجهما حتى عام 1983 عندما انفصلا، وأنجبا ثلاثة أطفال ، توأمان آن وأليس في عام 1961 وكاثرين في عام 1967.

و التحقت أولبرايت بجامعة كولومبيا للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه ، والتي أكملتها في عام 1976 قبل أن تبدأ العمل في الشؤون الخارجية في ظل سياسيين ديمقراطيين مختلفين.

كانت أولبرايت مدركة لدورها كرائدة وكثيراً ما تحدثت عن تحديات كونها أول امرأة تقود وزارة الخارجية، وقالت لشبكة CNN  الأميركية في عام 2006: “أعتقد أنّ الناس الآن يفهمون أنّه بإمكان المرأة أن تكون وزيرة خارجية، نعم يمكنني القيام بذلك”.

وشغلت أولبرايت منصب رئيسة المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية في واشنطن من عام 2001 حتى وفاتها ، وقامت بالتدريس في جامعة جورج تاون، وكتبت العديد من الكتب ، بما في ذلك مذكرات عام 2003 بعنوان “سيدتي الوزيرة”. كما عملت في القطاع الخاص لبعض الوقت.

وفي عام 2012 ، تلقت أولبرايت وسام الحرية الرئاسي من الرئيس باراك أوباما ، الذي قال إن “صلابتها ساعدت في إحلال السلام في البلقان ومهدت الطريق لإحراز تقدم في بعض أكثر مناطق العالم اضطراباً”.

صوت قوي في السياسة بعد تقاعدها

طوال فترة تقاعدها ، واصلت أولبرايت العمل من أجل الديمقراطية في جميع أنحاء العالم وتحدثت عن سياسة الولايات المتحدة ، ووجهت انتقادات لاذعة بشكل خاص إلى الرئيس دونالد ترامب ، الذي وصفته بأنه “أكثر الرؤساء غير الديمقراطيين في التاريخ الأمريكي الحديث”.

وفي مقال رأي نشرته صحيفة نيويورك تايمز الشهر الماضي قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا ، قالت أولبرايت بأن الزعيم الروسي فلاديمير بوتين سيرتكب “خطأ تاريخي” وحذرته من التكاليف الكبيرة التي ستلحق ببلاده.

وكتبت أولبرايت: “بدلاً من تمهيد طريق روسيا نحو العظمة ، فإن غزو أوكرانيا سيجلب العار لبوتين، لأن بلاده ستصبح  معزولة دبلوماسياً، ومعطلة اقتصادياً، وضعيفة استراتيجياً”.

وتميزت أولبرايت بشجاعتها، وصراحتها وقالت في أحد المقابلات: “لقد استغرق الأمر مني وقتاً طويلاً للعثور على صوت ورأي مسموع لي، وبعد أن وجدته لن أصمت”.

مادلين أهم داعمي القضية الكردية

نعى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، وزيرة خارجية الولايات المتحدة مادلين أولبرايت، قائلاً: “أرى وفاة أولبرايت خسارة شخصية لي، كنا أصدقاء منذ عقود، وأتقدم بأحر التعازي إلى حكومة الولايات المتحدة، وإلى عائلتها، أتمنى لها السلام الأبدي”.

بعد سنوات من الحرب الأهلية، تمكنت أولبرايت من الجمع بين زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني في واشنطن عام 1998، ووقعا حينها على اتفاق سلام تاريخي في 17 سبتمبر من نفس العام.

وقالت حينها: “إنّ روح المصالحة بين السيد بارزاني والسيد طالباني ستجعل الولايات المتحدة الأميركية قادرة على مساعدة شعبهم بشكل أكبر، نشجعهم ونساعدهم قدر إمكاننا، وبدون وحدتهم سيظل الطريق أمامنا صعباً للغاية، ومع الوحدة سيتطلع جميع الكرد في العراق إلى الأمام بتفاؤل وأمل”.

وعبرت عن سعادتها حينها ب”إغلاق فصل حزين من معاناة الشعب الكردي”، وأملها بـ”تعزيز الوحدة الوطنية العراقية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة”.

وتعليقًا على الأخبار ، قال رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني في تغريدة له على تويتر إنه “حزين لفقدان مادلين أولبرايت والتي كانت داعمة للقضية الكردية طيلة حياتها”.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد