تواجه المرأة عموماً والعربية خصوصاً انتهاكات عديدة لحقوقها، مثل التمييز، والتعنيف الأسري، والاغتصاب الزوجي، إضافة إلى منعها من حق تحديد مصيرها عبر تجريم الإجهاض في بعض الأماكن بالعالم، وربطه بموافقة الزوج، والذي يعرّض النساء لمخاطر كبيرة كل عام.
ذكر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2021، أنّ 73 مليون عملية إجهاض في جميع أنحاء العالم، وأشار التقرير إلى أنّه بين عام 2010 و2014، كانت 45% من جميع حالات الإجهاض غير آمنة، وأُجريت ثلث العمليات في ظروف غير آمنة لنساء لم يتمكنَّ من إجراء عمليات إجهاض آمنة خوفاً من المجتمع الذي لم يقدّم الدعم لهن، وخوفاً من القوانين التي لم تحميهنّ للقيام بهذه العملية.
ووفقاً للتقرير حدثت 97% من جميع حالات الإجهاض غير الآمن في البلدان النامية والعربية، نصفها في آسيا، ومعظمها في جنوب وشرق آسيا، أما في أمريكيا اللاتينية وإفريقيا كانت كل 3 من 4 حالات إجهاض غير آمنة.
الدين وتأثيره على حق المرأة في الإجهاض:
كان الإجهاض ممنوعاً قانونياً في كل بلد تقريباً حتى نهاية القرن التاسع عشر، لأسباب مختلفة، منها أنّ الإجهاض كان خطيراً ويتسبب في قتل الكثير من النساء، والسبب الأهم هو اعتبار الإجهاض “خطيئة” أو شكل من أشكال التّعدي على حكم الله، ويجب منعه.
ومن المفارقات أنّ قوانين الإجهاض التقييدية، هي المسؤولة اليوم عن وفاة وإصابة الملايين من النساء اللاتي لم يتمكّن من إجراء الإجهاض الآمن والقانوني، واللاتي قررن التوجه إلى عمليات غير آمنة أدت إلى نهاية حياتهنّ في كثير من الأحيان، أو إصابتهنّ بأمراض دائمة.
بشكل عام، يعتبر الفقهاء المسلمون الإجهاض بمثابة تدخل في دور الله، الذي هو الوحيد الذي يملك القدرة على منح الحياة، أو سلبها، وعلى الرغم من ذلك تملك المدارس الإسلامية في العالم العربي وجهات نظر مختلفة حول الإجهاض، ووفقاً للمذهب الحنفي السائد في دول الشرق الأوسط وتركيا وآسيا الوسطى، فقد سُمي الإجهاض بـ “قتل الجنين”، وهو إجراء غير مرغوب فيه ومحظور بعد أن يبلغ عمر الجنين 120 يوماً.
وعلى الرغم من ذلك فإن قرار الإجهاض في العالم العربي مرتبط بموافقة الزوج، وليس قراراً أو حقاً من جانب المرأة. إلّا أنّ المذهب الشافعي المهيمن على جنوب شرق آسيا وأجزاء من إفريقيا، فهو يسمح بالإجهاض لمدة تصل إلى 40 يوم بعد الحمل فقط، وبعدها يُصبح الإجهاض حراماً.
وصمة العار المرتبطة بالإجهاض:
لا تأخذ القوانين المفروضة بالدول العربية بعين الاعتبار رغبة الأم في إنهاء الحمل، بل يُسمح به عادة في حالات معينة، وهي الحمل الناتج عن حادثة اغتصاب، أو إذا كان يهدد حياة الأم، أو في حالة تشوه الجنين.
تنتهك قوانين حظر الإجهاض حق النساء والفتيات في تقرير مصيرهنّ، وحق الحياة والتمتع بالصحة النفسية والعقلية اللاتي ترغبن فيها، وذكر تقرير منظمة الصحة أنّ 13.2% من وفيات الأمهات كانت بسبب الإجهاض غير الآمن، كما يتم علاج 7 ملايين امرأة سنوياً في مرافق المستشفيات من مضاعفات الإجهاض غير الآمن.
تشعر بعض النساء بأن كلمة “إجهاض” بمثابة وصمة عار لها أمام عائلتها، وأمام مجتمعها، خاصة المرأة العربية التي تُعتبر مقيّدة جداً ولا تملك الحرية المطلقة بجسدها، بل عليها أن تلتزم بتعاليم زوجها أو أخيها أو غيرهم من أفراد عائلتها.
لم يعترف المؤتمر الدولي للإسكان والتنمية (ICPD) في القاهرة والذي عُقد في 1994 بأنّ الإجهاض حق من حقوق المرأة العربية، ولكنّه على الرغم من ذلك شدّد على فكرة أن النساء بإمكانها القيام بالإجهاض في ظروف معينة محدودة جداً.
اقرأ أيضاً: التحرّش بالصحفيات السّوريات… قصص من خلف شاشات التّحرير وغُرف الأخبار
واقترحت العديد من الدول العربية المشاركة في المؤتمر ضرورة السماح للمرأة بالإجهاض في حالات الاعتداء الجنسي، والاغتصاب، وحين يشكل خطراً على صحتها وعلى صحة الجنين، لكنّ كلام المؤتمر لم يؤخذ بعين الاعتبار من قبل العديد من البلدان العربية، التي تُحرّم الإجهاض وتمنع المرأة من القيام به دون موافقة الزوج أو العائلة.
لم تتم دراسة تأثير منع الإجهاض على صحة المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويقدّر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية لعام 2008، أنّ النساء اللاتي اضطررن لإجراء إجهاض بطريقة غير آمنة بلغ 830 ألف في غرب آسيا، وتسبب في وفاة 600 امرأة سنوياً.
أما في المغرب العربي، فقد ذكر التقرير إجمالي 900 ألف حالة إجهاض غير آمنة بين النساء، الأمر الذي تسبب في 1500 وفاة سنوياً بين الأمهات.
البلدان العربية التي تجرّم الإجهاض ولا تعتبره حقاً من حقوق المرأة:
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، هناك ما يقدر بنحو 40-50 مليون حالة إجهاض في العالم كل عام. الذي يعني قرابة 125000 حالة إجهاض يومياً.
تتفاوت عقوبات الإجهاض في العالم العربي من بلد لآخر، ففي المغرب العربي الذي احتل في عام 2019 المرتبة الأولى في إحصاء عمليات الإجهاض غير القانونية وغير الآمنة، تتراوح عقوبة الإجهاض بين سنة إلى 5 سنوات سجناً.
أما في العراق فالعقوبة سنة واحدة، ويُمكن للمرأة أن تتهرب منها عن طريق دفع غرامة مالية، وفي لبنان تحاكم المرأة التي اختارت إجراء عملية إجهاض بالسجن من 6 أشهر إلى ثلاث سنوات.
تجرّم الإمارات أيضاً الإجهاض، ولا تعتبره حقاً من حقوق المرأة، حيث تُسجن المرأة سنة إذا قررت إجهاض نفسها، أو تدفع غرامة قدرها 10 آلاف درهماً إماراتياً.
كما تجرّم مصر حسب مواد الدستور من 263 إلى 260، جميع أشكال الإجهاض، وتُعاقب جميع الأطراف المشاركة في عملية الإجهاض بالسجن.
أما الإجهاض في القانون السوري فيَحظر على المرأة السورية اتخاذ قرار الإجهاض عبر تناول الأدوية أو بأي طريقة أخرى، وتحاكم بالسجن من مدة شهرين إلى مدة تصل سنتين، ويُسمح للمرأة بالإجهاض فقط في حال كان الحمل قد يعرض حياة المرأة للخطر يمكن لها أن تتخذ قرار الإجهاض.
وهذا ما يؤكد أنّ جميع البلدان العربية تمنع المرأة في اتخاذ قرار الإجهاض إن لم تكن ترغب في ذلك، ولا يحق لها تقرير مصيرها وشكل حياتها من دون سبب محدد، ومن دون موافقة الزوج طبعاً.
رأي النسوية بالإجهاض:
طالبت العديد من الجمعيات النسوية في العالم بتوسيع القوانين التي تسمح للمرأة بالإجهاض، إضافة إلى منحها الحق في تقرير حياتها ومستقبلها، وعدم تركها للجوء إلى وسائل غير آمنة للإجهاض.
وتطالب الحركات النسوية بمنح المرأة العدالة الإنجابية، التي تتضمن حقها في استخدام وسائل منع حمل آمنة عند الزواج، حق الإجهاض، الحق في الإنجاب في الوقت الذي ترى نفسها قادرة فيه على تحمل أعباء الأمومة نفسياً وجسدياً.
يُعتبر قرار ولاية تكساس الأمريكية في عام 1973 نقطة تحول في الجدل حول مسألة الإجهاض، والذي عدّل قانون الإجهاض وأوقف تجريمه، ومن بعد هذا العام انقسمت الآراء في المجتمع الغربي فمنهم من حمل شعار Pro Choice الذي يدعم قرار المرأة في اختيار الإجهاض واعتباره حرية شخصية، أمّا المجموعة الثانية فهم الذين حملوا شعار Pro Life والذي عارض الإجهاض وطالب بمنح الجنين حق الحياة.
وكانت الحادثة الأبرز شيوعاً في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدأت جدل الإجهاض مجدداً هي اغتيال الطبيب جورج تيلر عام 2009، وهو أحد الأطباء الذين كانوا يقومون بعمليات إجهاض غير آمنة لنساء لم ترغبن في الحمل.
وإلى يومنا هذا لا يوجد قانون عربي يمنح المرأة حقها في الإجهاض، وحقها في تقرير مصيرها ورسم مستقبلها بالشكل التي ترغب به.