هيئة تحرير الشّام ترهن إدلب لليرة التّركية

“لم يبق لدينا شيء، ولم نعد نستطيع الحصول ربطة الخبز بشكل يومي”، تلعثم بهذه الكلمات محمد اليوسف (43 عامًا) وهو يحاول اخفاء دموعه أثناء حديثه للاتحاد ميديا.

يقيم محمد اليوسف في مدينة إدلب منذ عامين، بعد أن نزح إليها من ريف المحافظة الجنوبي، ويعمل في مهنة التمديدات الكهربائية لأكثر من 12 ساعة مقابل أجر لا يتجاوز (35) ليرة تركية في اليوم الواحد (حوالي ثلاث دولارات أمريكية).

انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي أثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي بشمال غربي سوريا وخاصة فئة العمّال المياومين الذين يتقاضون أجورهم بشكل يومي؛ إذ ما زالوا يحصلون على أجور ثابتة ومتدنية بالليرة التركية بينما ترتفع الأسعار بشكل كبير مما أفقد أجورهم القيمة، وفقاً لحديث العديد من العمّال للاتحاد ميديا.

ويقول محمد إن: “انخفاض سعر صرف الليرة التركية بالمقارنة مع الدولار الأميركي أفقد أجرة عملي الحالي قيمتها فسابقاً كنت أستطيع شراء الحاجيات الأساسية أما اليوم لم يعد بإمكاني سوى شراء الخبز ودفع أجار المنزل الذي اسكنه“.

التقنين لمواجهة فرمانات الوالي!

لم يعد بمقدور أحمد العلي (35 سنة) العامل في إحدى مطاعم مدينة إدلب شراء كل المستلزمات التي يحتاجها منزله بسبب ارتفاع الاسعار الكبير الناتج عن انهيار سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.

وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادي وارتفاع الأسعار لجأ أحمد وأسرته لخطة مالية لتنظيم المصروف اليومي. يوضح للاتحاد ميديا: “قمت وزوجتي بجرد حاجيات المنزل الشهرية ومن ثم قمنا بإلغاء بعض الأمور من خيارتنا وتخفيض كميات استهلاك عائلتنا لباقي المستلزمات.. ولكن هذا التقشّف لم يف الغرض لأن تكاليف أجار المنزل أو غيرها من الالتزامات الشهرية تغطي الراتب الشهري كاملاً”.

ويكمل أحمد: “ماذا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك، يجب أن نلائم حياتنا مع قرارات الوالي” ويقصد هنا زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، المصنف على قوائم الإرهاب.

الاحتكار يضاعف المعاناة

ترفع شركة “وتد” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” بشكل شبه يومي أسعار الوقود والغاز المنزلي في منطقة إدلب شمال غرب سوريا بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية. هو ما يزيد من معاناة سكان محافظة إدلب، على اعتبار أن شركة “وتد” هي المورّد الوحيد للمحروقات في المحافظة، بعد احتكارها للاستيراد المادة ومنع أي تاجر من استيراد المحروقات لإدلب سواء المحروقات الاوربية من تركيا أو الوقود المكرر من مناطق شمال شرق سوريا وريف حلب الشمالي.

اقرأ أيضاً: تسوّل، تجنيد، وتعنيف أسري… سيرة الأطفال في محافظة إدلب

يقول مالك، وهو صحفي سوري مقيم في إدلب، رفض الكشف عن اسمه الصريح حرصاً على سلامته فإن: “احتكار هيئة تحرير الشام للسلع لم يقف عند احتكار الوقود فتحرير الشام تحتكر كل شيء في المحافظة عبر شركات وتجار يتبعون لها فالمحروقات لها مورد واحد والسكر له مورد واحد كذلك مواد الرز والسكر وحتى الدخان والمشروبات الغازية والموز قامت هيئة تحير الشام باحتكارهم عبر الواجهات التجارية التابعة لها”.

يكمل: “وبالتالي تستطيع تحرير الشام عبر تلك الواجهات التجارية رفع الأسعار كما تريد بسبب غياب المنافسة لها سواء بالجودة أو السعر”.

احتجاجات وتذمر من الغلاء

خرج العشرات من سكان مدينة إدلب في يوم الخامس عشر من الشّهر العاشر احتجاجاً على “الغلاء ورفع أسعار المحروقات والمواد الغذائية بشكل غير مسبوق” في إدلب. 

ويعتبر أهالي محافظة إدلب أن حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام هي المتسبب الرئيسي بارتفاع الأسعار والغلاء بعد فرضهم التعامل بالليرة التركية في إدلب بالقوة والغرامات مثل مناطق الاحتلال التركي بمحافظة حلب من أجل تلميع صورة هيئة تحرير الشام لدى تركيا في محاولة لضمان اعتماد الأتـراك على الهيئة كمنفذ للسياسات التركية في إدلب.

ويقول الناشط محمد الزين، وهو أحد المشاركين بالاحتجاجات للاتحاد ميديا أنه شارك بالاحتجاجات لمطالبة حكومة “الانقاذ” بإعادة النظر بسياستها الاقتصادية وخاصة موضوع اعتماد العملة التركية وموضوع ارتفاع الأسعار ومراعاة الوضع المعيشي للشعب عند اتخاذ أي قرار اقتصادي بدلاً من الأسباب السياسية والمصالح الفصائلية، على حد تعبيره.

وكانت سلطات الأمر الواقع في ادلب المتمثلة في (حكومة الإنقاذ) ومن خلفها هيئة تحرير الشام اعتمدت التعامل بالليرة التركية منذ حزيران 2020 بدلاً من الليرة السورية، ليساهم انهيار سعر صرف الليرة التركية في الفترة الحالية تأزم الوضع المعيشي لسكان شمال غرب سوريا.

وبحسب تقرير صادر عن برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية (HNAP)، بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومجموعة “التعافي المبكر وسبل العيش” في شمال غربي سوريا، في آب/ اغسطس الماضي، فإن 91% من العاملين في شمال غربي سوريا يقيمون في أسر تعيش في فقر “مدقع”، ما يدل على ضعف الاقتصاد المحلي، مشيرًا إلى أن 18% فقط من الرجال الذين عملوا خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت صدور التقرير يعملون بدخل منتظم.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد