” المجهول في بيلاروسيا أفضل من المعلوم في دمشق”, يقول إلياس (اسم مستعار)، وهو شاب من العاصمة السورية، دمشق، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، وتعامل مع شبكات التهريب في دمشق، واتّجه نحو بيلاروسيا.
قصّة حسّان هي واحدة من مئات القصص التي حدثت في مناطق سيطرة النظام السوري، لشبان وشابات سعوا للحصول على تأشيرة للعبور إلى بيلاروسيا، ومنها إلى الاتّحاد الأوروبي.
قبل سنوات من الآن، في عام 2015، سلك السوريون طريق تركيا للوصول إلى أوروبا بعد أن فقدوا إمكانية البقاء في بلادهم. وقتئذ كانت تركيا خياراً يُلائم السوريين؛ إذ أنها كانت الدولة الأقرب التي يمكن أن توفّر لهم إمكانية الوصول إلى إحدى دول الاتّحاد الأوروبي.
اليوم، بعد سنوات، صارت بيلاروسيا خياراً هامّاً لهم، ذاك أن هذه الدولة من الدول القليلة التي تمنح السوريين تأشيرة للدخول إلى أراضيها دخول إلى أراضيها، ولديها حدود برّية مع الاتّحاد الأوروبي.
تشابه بين تركيا وبيلاروسيا بدوافع السماح للسوريين في العبور إلى الاتّحاد الأوروبي، من جهة استخدامهم كورقة ضغط سياسية ولناحية تمرير مصالح الدولتين مع الدول الأوروبية.
تشابهت معاناة السوريين، على غرار تشابه بيلاروسيا وتركيا في ملف الهجرة، وما تعرض له السوري من ابتزاز واستغلال وسرقة من مهرّبي البشر. فمثلما انقطع طريق اللجوء بكثير السوريين في غابات اليونان وبلغاريا، بعد عمليات نصب قامت بها مجموعات تهريب مختلفة بحقّ السوريين الراغبين في الوصول إلى مكان آمن، ينقطع الطريق أمامهم اليوم، في غابات تفصل بيلاروسيا عن دول الاتّحاد الأوروبي في حوادث استغلال تتشابه مع ما حدث في عام 2015.
إلى “بيلاروسيا” دُر!
يقول إلياس لـ الاتّحاد ميديا: ” أصبحت بيلاروسيا ملاذاً جديداً للسوريين، لأنه المكان الوحيد الذي صار بالإمكان الوصول إليه دون عقبات كبيرة باستثناء العقبة المالية”.
يضيف: “لكن هذا الملاذ تحوّل في سوريا إلى نقمة، الشركات السياحية وأجنحة الشام وأبناء المسؤولين تدخّلوا، وصاروا يستخدمون هذه القضية للربح المالي”.
ويتابع: “لذلك حتى الكثير من الذين كان لديهم قدرة على تأمين المبلغ المالي المطلوب فشل في السفر لأن القصة لم تعد تأشيرة وسفر، بل أصبحت سمسرة وتجارة والدخول فيها خطر للغاية”. نتيجةً لذلك، تراجع إلياس عن السفر إلى بيلاروسيا وينتظر الآن طريقة أفضل لمغادرة سوريا.
وتختلف قيمة الحصول على التأشيرة من شركة إلى أخرى بناءً على حجم الخدمات التي يتم تقديمها، وتتراوح قيمة السفر من دمشق إلى بيلاروسيا من 1800 دولار أمريكي إلى 6000 دولار أمريكي.
تبدأ مسارات اللاجئين من دول مثل سوريا والعراق والأردن وتركيا وغيرها من الدول، يتعرض خلالها اللاجئون لاستغلال من مهربي البشر، من خلال الحصول على تأشيرة سياحيّة بأثمان باهظة، ومن ثمّ نقلهم عبر الغابات والطرق الوعرة إلى الاتّحاد الأوروبي.
يقول أحمد (اسم مستعار)، وهو شاب تخرّج حديثاً من جامعة دمشق، وفضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنيّة:” بعد أن تخرّجت من الجامعة قبل مدّة، حاولت التعرّف على أفضل طريقة ممكنة للخروج من سوريا باتّجاه أوروبا، لأن هذه الشهادة لن تفعل لي شيئاً بسوريا، والتعليم هو الذي كان يحميني من التجنيد الإلزامي”.
يُضيف: “ذهبت إلى أكثر من مكتب سياحي في دمشق، حصلت على أرقام مختلفة لسعر التأشيرة، أقلّ سعر حصلت عليه كان لا يقلّ عن تكلفة دراستي لخمس سنوات”.
تواصل أحمد مع عدد من أصدقائه في الخارج، وتمكّنوا من جمع مبلغ مال له، لكنه لم ينجح بالحصول على التأشيرة.
يبيّن أحمد:” كانت هذه الشركات السياحية مهرّبين، وليست شركات سياحية، كل ما قيل كانت وعود بالسفر والوصول لأوروبا، وغموض الآراء جعلني اتراجع عن دفع المبلغ خصوصاً أن خسارة المبلغ ستكون تبعاته كارثية علي”.
أجنحة الشّام ومكاتب سياحية لـ تهريب البشر
تعمل عشرات الشركات السياحيّة الموجودة في مناطق سيطرة النظام السّوري على استخراج تأشيرة عبور إلى بيلاروسيا، بالتنسيق مع مسؤولين في حكومة النظام، وغالباً ما تكون عبر أبناءهم الذين يُشرفون على عدد من مجموعات تهريب البشر في سوريا. بحسب مصادر خاصّة حصل عليها معدّ التقرير.
تقول ريما (اسم مستعار)، وهي فتاة مقيمة في محافظة اللاذقية: “تواصلت مع مكتب سياحي في مدينة اللاذقية للحصول على تأشيرة للوصول إلى بيلاروسيا. كان التواصل إيجابياً في البداية، وكان هناك تجاوب من المكتب السياحي بشكل كبير”.
وتضيف: “بعد أيام من التفاوض، طُلِبَ مني دفع 700$ للبدء باستخراج التأشيرة من المكتب القنصلي البيلاروسي من دمشق، وبعد الحصول على التأشيرة أكمل له باقي المبلغ الذي يصل إلى المبلغ ألفي دولار أمريكي”.
تسرد ريما لـ الاتحاد ميديا: “بعد أن تحولت أزمة بيلاروسيا إلى أزمة دولية، وتوقّف أغلب الطرقات، لم أحصل على الفيزا جراء توقف المكتب القنصلي بمنح التأشيرة، بعدها وحتى اليوم أسعى لإعادة المبلغ من المكتب السياحي وأتلقى وعوداً بإعادتها بشكل يومي، لكنني فقدت الأمل”.
تضيف: “كل مكتب سياحي لديه علاقة مع فرع أمني، وهذا ما يجعل احتمالية إعادة المبلغ صعبة للغاية، لأن الشكوى ستُقدم لضباط وشرطة هم مستفيدين ومشاركين في هذه العملية”.
وشركة “أجنحة الشّام” التي حرّكت عشرات الرحلات من العاصمة السورية، دمشق، باتجاه بيلاروسيا موجودة على قوائم العقوبات الأمريكية منذ عام 2016، على خلفية تقديمها الدعم المالي والتكنولوجي والخدمي لحكومة النظام السوري.
وهذه الرحلات التي تقوم بها “أجنحة الشام”، لا تقتصر على نقل السوريين فقط إلى بيلاروسيا، بل أنها تشمل جنسيات أخرى بينها العراقية. حيث أظهر مشهد مصوّر في التّاسع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر على مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة من الكرد العراقيين وهم يقفون في طابور طويل أمام باب مطار دمشق الدولي يتحضرون للسفر إلى بيلاروسيا.
وبحسب معلومات الاتّحاد ميديا، فإن أكثر من 4000 لاجئ بينهم عراقيين، توجّهوا من مطار دمشق الدولي باتجاه بيلاروسيا.
طائرة خاصّة وإدارة شبكات التّهريب
حصل معدّ التقرير على معلومات من إحدى مؤسّسات النظام السوري، تفيد بقيام حيدرة بهجت سليمان، وهو ابن مسؤول سابق بحكومة النظام السوري، بإدارة إحدى مجموعات تهريب البشر إلى بيلاروسيا التي تعمل في العاصمة السورية دمشق.
تقول المصادر لـ الاتّحاد ميديا: “بدأ حيدرة بتنفيذ خطّة لاستئجار طائرة خاصّة إلى بيلاروسيا من العاصمة دمشق”
وتتابع المصادر: “تقوم الخطّة على نقل المهاجرين بوقت قياسي من دمشق إلى بيلاروسيا مروراً بالعاصمة المصرية القاهرة، وهؤلاء الذين كان سيتم نقلهم من دمشق بهذه الطريقة كان عليهم دفع مبالغ مالية كبيرة تتجاوز الـ 4000 دولار أمريكي”.
رغم أن الخطة التي وضعها ابن المسؤول السابق في حكومة النظام السوري، بهجت سليمان، كانت تعتمد على مطار القاهرة للوصول إلى بيلاروسيا لعدم جذب الشُبهات، إلّا أنها فشلت في نهاية المطاف، ذاك أن كل شركات الطيران رفضت منحه الطائرة تجنباً لاحتمالية فرض العقوبات الدولية عليها، بحسب تلك المصادر.
ويضيف مصدر رفض كشف اسمه: “منذ مدّة يعمل حيدرة بهجت سليمان على افتتاح شركة طيران خاصّة به، على غرار شركة أجنحة الشّام، لكن مع فشل مخطّط نقل السوريين إلى بيلاروسيا والخوف من العقوبات الدولية التي يمكن أن تُفرض على الشركة تأجّل المشروع مجدداً”.
ووضع الاتّحاد الأوروبي في يوم التّاسع من شهر تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠ دولة بينها سوريا تحت الرقابة، بعد الاشتباه بمشاركتها في إيصال اللاجئين إلى بيلاروسيا.
واتّخذ الاتحاد الأوروبي تدابير بحق 13 دولة انطلقت منها رحلات أقلت مهاجرين إلى بيلاروسيا، واصفا هذه الرحلات بأنها “استغلال”.
والدول التي وضعت تحت الرقابة هي: “جنوب إفريقيا وروسيا والجزائر وأذربيجان وساحل العاج والهند وإيران وكازاخستان وليبيا والمغرب ونيجيريا وأوزبكستان وقطر والسنغال والصومال وسريلانكا وسوريا وتونس وفنزويلا واليمن”.