التّجارة الرابحة: “سَمسرة حكوميّة” على جوازات السّفر بدمشق

“عكس السماسرة الأخرين لم يطلبوا منّي المال، إنّما طلبوا أن أقدّم لهم رُقعة شطرنج بمواصفات ونقوش خاصّة هديّة للحصول على جواز سفر سريع. كلّفتني الهدية 900 ألف ليرة سوريّة (ما يُعادل ٣٠٠$)، واستغرق إعدادها أربعة أيام وهي المدّة التي استغرقت حصولي على جواز السّفر”. يقول مازن، وهو شاب سوري، مقيم في دمشق.

بدأ مازن (اسم مستعار) الراغب بالسفر إلى دولة الامارات العربية رحلة الحصول على جواز سفر بمساعدة أحد مدراءه بالعمل السابق. فمديره السابق يملك علاقات واسعة مع وسطاء داخل مركز إصدار الجوازات.

وأصدرت إدارة الهجرة والجوازات بوزارة الداخلية لدى حكومة النظام السوري، بيوم الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول /كتوبر، تعميماً، يطلب فيه من الدوائر المختصة بإنهاء طلبات جوازات السفر المتراكمة لشهري تموز/ يوليو وآب/اغسطس الماضيين.

ومشكلة التأخير في إصدار جوازات السفر بمناطق سيطرة النظام السوري، بدأت منذ شهر تموز/ يوليو الماضي، الأمر الذي برّره وزير داخلية النظام السوري بأنه “مشكلة فنية خارجة عن إرادة الوزارة”، بتصريحات صحافيّة في شهر أيلول الماضي.

ويدفع السوريون خارج البلاد، لاجئين ومهجرين، 900 دولار أمريكي مقابل الحصول على جواز سفر سوري سريع، بينما يدفعون 300 دولار أمريكي للحصول على جواز سفر بالنظام العادي.

أرقام فلكية.. مكاتب سياحية لـ “السمسرة”

تواصلت الاتحاد ميديا مع عدة مكاتب مختصة السياحة بمناطق سيطرة النظام السوري وبدول الجوار للاستفسار عن الأسعار الموجودة لإصدار جواز سفر سوري بعد القرارات الجديدة الصادرة من حكومة النظام السوري، بشهر تشرين الأول/أكتوبر، المتعلقة بإنهاء الطلبات المتراكمة للحصول على جواز السّفر السوري.

كانت الأرقام التي حصل عليها الاتحاد ميديا غير متقاربة على الإطلاق؛ مثالاً قالت إحدى الشركات السياحية الموجودة في إقليم كردستان العراق والتي تقوم بتوفير تأشيرات دخول للسوريين إلى الإقليم وتوفّر لهم إقامات عمل سنوية، بأن كلفة الحصول على جواز سفر سوري سريع من دمشق ١٣٠٠$ أمريكي، ويستغرق وصول الجواز عشرة أيام على الأقل.

وبعد التواصل مع أحد “السماسرة” بالعاصمة السورية، دمشق، أشار إلى أن كلفة اصدار جواز سفر سوري للمغتربين وفي يوم واحد فقط يبلغ ٥٠٠$ أمريكي مع قيام المغترب بتصوير مشهد فيديو أمام مكان معروف في الدولة التي يقيم فيها وحضور أحد أقرباءه من الدرجة الأولى.

وتختلف الأسعار من مكتب سياحي لأخر ومن “سمسار” لآخر وفقاً للأوراق التي يستطيع أن يتجاوزها أثناء العمل على استخراج جواز السفر؛ فبعض المكاتب السياحية لا تطلب حضور أقرباء الدرجة الأولى ويتم تجاوز هذا الشرط من خلال دفع “رشوة” لموظف الجوازات، بحسب معلومات وصلت للاتحاد ميديا من موظّف بإحدى المكاتب السياحية.

يعتقد “مازن” بأن هذا المبلغ ليس ضخماً لراغب في السفر بالوقت الحالي وخاصة بأن بقاءه في سوريا لمدة 4 شهور، وهي الفترة التي ربما تستغرق للحصول على جواز سفر سيكلفه أكثر من ٣٠٠$. يقول: “ما في شيء مضمون… كل يوم تتغير التعليمات الصادرة عن الدول التي ما زالت تستقبل السوريين، دون شروط تعجيزية”.

مواطنون يتحوّلون إلى “سماسرة” لمعاملاتهم

عادةً ما تكون المبالغ المطلوبة لإصدار أو تجديد جواز سفر سوري باهظة؛ إذ أن المبالغ المطلوبة من المكاتب السياحية أو السماسرة في سوريا للحصول على الوثيقة تعادل رواتب الموظفين بمؤسسات النظام السوري لعام واحد على الأقل؛ فرواتب الموظّفين لا تتجاوز ٢٠$، لذا من الصعب على الكثيرين أن يُصدروا أو يِجددوا وثائق السفر الخاصة بهم دون الاستعانة بأقرباء أو أصدقاء مقيمين بأوروبا.

ولا يختلف الحال كثيراً مع السوريين المقيمين في دول الجوار مثل لبنان وتركيا وإقليم كردستان العراق؛ فرواتب السوريين الشهرية بهذه الدول لا تغطي قيامهم بدفع تكاليف استئجار المنازل التي يسكنونها ومصروفهم اليومي، وتكلفة وثيقة السفر السورية تعادل راتب شهر ونصف على الأقل.

هذه الأسعار دفعت الكثيرين من المقيمين في دمشق إلى دفع الرشاوي لموظفي الهجرة والجوازات للحصول على وثائق سفرهم دون المرور عبر السماسرة كما حدث مع خالد، وهو شاب سوري حصل على جواز السفر بغية السفر إلى إحدى دول الجوار مع سوريا.

يقول خالد: “طلب مني السمسار ٦٠٠$، ولم يكن هذا المبلغ قليلاً علي خصوصاً أنني اتحضر للسفر، لذا قررت أن أقوم بنفسي بالحصول على جواز السفر من خلال عرض الرشوة على موظفي الهجرة والجوازات في دمشق”.

اقرأ أيضاً: بينها خطّة لاستئجار طائرة.. كيف استغلّ مسؤولو النظام السّوري وأبناءهم أزمة اللجوء إلى بيلاروسيا؟

ويضيف: “كان الأمر صعباً للغاية لأن كل الموظفين الذين يعملون في هذه المؤسسات لديهم وسطاء يستلمون عبرهم الرشوة، لكن بعد أكثر من محاولة مع الموظفين تمكنت من إقناع موظف بعد أن حصل على الأمان وعلى مبلغ أكثر من الذي يحصل عليه عادة من سمسار”.

ويبيّن خالد: “عوضاً من دفع ٦٠٠$ أمريكي، حصلت على جواز السفر بمبلغ ٣٠٠$ أمريكي، وهو أيضاً مبلغ كبير بالنسبة لي، لكن هذا ما تمكنت من فعله من أجل أن اتخلص من هذه المعاناة التي اعيشها كل يوم والتي يتحكم بها السمسار بكل ما تعنيه الكلمة من معنى”.

الذاكرة للبيع.. طرق الحصول على جواز السفر

تخرج “محمد” حديثاً من الجامعة، وبدأ رحلته بالبحث عن فرصة للسّفر. يسرد قصته للاتحاد ميديا قائلاً: “حصلت على فرصة عمل في دولة الامارات، لذا أنا بحاجة جواز السفر؛ وبعد تقدمي بطلب للحصول على جواز السفر كان الرد بأن الوثيقة ستكون جاهزة خلال 4 أشهر، في الوقت الذي كنت أملك فرصة60 يوما فقط كمهلة محددة لالتحاقي بالعمل في الإمارات”.

ويتابع محمد حديثه للاتحاد ميديا “في النهاية اهتديت لسمسار، طبعاً الوصول لسمسار متنفذ هو الأمل الوحيد في سوريا، وما عدا ذلك دخول بمتاهة لا تنته، ورغم ذلك لم أستطع تحصيل مبلغ يتجاوز المليون ليرة سورية، وهو المبلغ الذي طلبه مني السمسار، ويتطلب مني العمل لساعات طويلة لعدة أشهر كي أحصل المبلغ، هذا إن استطعت الحصول على فرصة العمل أصلاً”.

“لابتوب قديم وكاميرا المرحوم والدي، وهاتف من نوع هواوي هذا كل ما كنت أملك وأستطيع بيعه للحصول على المبلغ بالسرعة القصوى والحصول على الجواز ضمن المدة المحددة، بعتهم، نعم بعت (كاميرا الذكريات) التي وثق فيها والدي الراحل أجمل لحظات حياتنا قبل الحرب و اللابتوب الذي رافقني طيلة مسيرتي الجامعية، للحصول على مستقبل في بلاد الكهرباء والانترنت” يقول محمد، وينهي حديثه للاتحاد ميديا.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد