“حرب باردة” في عفرين المحتلة… الاحتلال التركي يدعم من؟

تشهد منطقة عفرين الكرديّة المحتلة، شمال غربي سوريا، حرباً باردة بين فصائل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا على السّلطة في المدينة؛ إذ يسعى كل فصيل السيطرة على أكبر مساحة جغرافية لتوسيع السرقات والإتاوات، وكسب مبالغ ماليّة إضافيّة، ومن جهة أخرى تحاول بعض القيادات الصعود للمشهد العام على حساب قيادات أخرى، بينما تختلف الآراء حول دعم تركيا لمجموعات على حساب مجموعات أخرى.

بعد أن تمكّنت تركيا من احتلال مدينة عفرين ومحيطها، في شهر آذار/ مارس عام ٢٠١٨، تحوّلت مدينة عفرين وريفها وبلداتها إلى قطّاعات جغرافيّة تسيطر عليها فصائل مختلفة تتبع لـ “الجيش الوطني”، وتحوّلت هذه القطّاعات إلى “دويلات” صغيرة بحاكم وقوّى احتلال محليّة مستقلّة عن محيطها.

تسمّى ناحية شيه “شيخ الحديد” على سبيل المثال بـ “إمارة أبو عمشة”، الذي فرض الآتاوات على المدنيين وهجّر السكان الأصليين ونهب المحاصيل الزراعيّة واستولى على الممتلكات وقتل وخطف المئات من الكرد.

من هم العمشات؟

لواء السليمان شاه أو ما يعرف بالعمشات، مجموعة تابعة لـ “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا. تشكلت في ريف حماة في 19/تشرين الثاني عام 2011 تحت مسمى لواء خط النار، وفي عام 2016 تم تغيير اسمها إلى الاسم الحالي “السلطان السليمان شاه” وهي الآن تتبع للفيلق الأول في “الجيش الوطن”، ويتزعمه محمد الجاسم المعروف بـ “أبو عمشة” وهو تركماني من محافظة حماة واقترن اسمه بأبشع الانتهاكات في عفرين، مدعوماً من الاحتلال التركي التي تمنح دعماً مفتوحاً للفصائل الّتي تتمتع بهويّة “تركمانيّة” في المنطقة مثل السلطان مراد والسلطان سليمان شاه.

اقرأ أيضاً: نظرة عن قرب.. كيف يصوم المشردون في سوريا؟

وتقول سيدة كردية من ناحية شيه “شيخ حديد” رفضت الكشف عن اسمها خوفاً من “الجيش الوطني” أن: “أبو عمشة وفصيله أخذوا منّا 4 دولارات أمريكية كإتاوة على كل شجرة زيتون. أربع دولارات الآن تساوي أكثر من 3500 ل.س وهذا ما يعد مبلغ كبير إذا ذكرنا أيضاً التكاليف الكبيرة التي يصرفها المواطن على خدمة موسم الزيتون”.

وأشارت السيدة أن مسلحي “العمشات” أخذوا منهم صفيحات زيت بعد عصر الزيتون أيضاً، وتضيف: “نحن هنا حالنا مزري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، نتعرض يومياً للانتهاكات ولا أحد يكترث لوضعنا، تخيل أنني لا أستطيع ذكر عدد الصفيحات التي أخذوها منا لعدم إثارة شكوكهم، لأنهم أذا شكوا سنسجن جميعنا”.

ويؤكّد ذلك، سهر أبو عبد الغفور العمر، الذي تحدث عن انتهاكات أبو عمشة ومجموعته للاتحاد ميديا: “أبو عمشة كان يأخذ أجرة بقاء العائلات الكردية في منازلها، وكان يستولي على الزيت المتواجد حتى في منازل المدنيين الكرد ويرسله للبيع في تركيا، أبو عمشة كان يسهل بالتنسيق مع الجيش التركي خروج الكرد من شيخ الحديد بهدف تغيير ديمغرافية المنطقة”.

ويرى محللون عسكريون بأن هناك قيادات مثل قائد السلطان مراد فهيم عيسى وفصيل الجبهة الشامية، يحاولون الصعود للساحة والاستيلاء على ناحية شيخ الحديد بدلا من أبو عمشة.

تركيا تريد التخلص من أبو عمشة!

ويدعم مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن هذا السيناريو، حيث قال للاتحاد ميديا بأن تركيا تريد التخلص من أبو عمشة مضيفاً: “بعد الانتهاكات الكبيرة التي قام بها أبو عمشة في عفرين وفضحه على الإعلام، تحاول تركيا الآن التخلص منه، لكن ليس بطريقة مباشرة، بل عبر الفصائل المستاءة من أبو عمشة”.

وأردف عبد الرحمن قائلاً: “تركيا الآن تحاول أن تظهر سيف أبو عمشة وهو شقيق أبو عمشة على أنه قائد شعبي ولم يرتكب الانتهاكات وليست عليه قضايا فساد لكي يحل مكان أبو عمشة. أبو عمشة ليس إلا جندي ضمن جيش تركيا والذي شارك بشكل أساسي في الجرائم التي أرتكبها الجيش التركي”.

فصل أبو عمشة لشقيقه سيف من مجموعة السليمان شاه يدعم ما قاله مدير المرصد السوري، حيث قام أبو عمشة بتسليم شقيقه للقضاء وعيّن مسلح آخر كان يعمل سابقا لدى أحرار الشام مكانه. لكن محللون عسكريون يقولون بأن تركيا باتت غير قادرة على ضبط أبو عمشة بعد الهيمنة والنفوذ الكبيرين الذي حصل عليها في عفرين.

وبالفعل قامت ما تسمى لجنة “رد المظالم” بإصدار مذكرة تقتضي بفصل أبو عمشة من قيادة فصيل السلطان سليمان شاه، وذلك بعد التحقيقات وثبوت تورط أبو عمشة بعمليات سرقة وانتهاكات جسيمة، لكن هناك من يدعم أبو عمشة، ولا زال الأخير يرفض أن يترك منصبه، صعدت هذه المسألة للواجهة لعدة أيام ثم عادت للاختفاء، على ما يبدو أن أبو عمشة لا يزال يحظى بدعم الكثيرين.

تركيا تدعم أبو عمشة في الخفاء

إلا أن الصحافي أحمد خليل (اسم مستعار) وهو مهجّر من الغوطة إلى عفرين يقول بأن تركيا تدعم أبو عمشة شخصياً في الخفاء ولم تسمح لغرفة عزم بقتاله في ناحية شيخ الحديد/شيه، وأضاف: “هناك أمر غريب، فملف أبو عمشة منذ أربعة أشهر لم يُحل بعد، أبو عمشة قام بتسليم اخوته للقضاء، لكنه رأس الأفعى ولا زال باقٍ إلى الآن؟!”.

وبحسب مصدر مقرب من فصيل السليمان شاه، فقد دعمت عشيرة النعيم التي دخلت إلى عفرين بعد الاحتلال التركي، أبو عمشة وبقائه على رأس فصيل السليمان شاه. ويقول المصدر بأن أبو عمشة اشترى ذمم العديد من الشخصيات العشائرية بالأموال التي سرقها من عفرين.

ووفقاً مصدر آخر فقد جرى اجتماع بين مجموعات غرفة عزم التابعة للجنة “رد المظالم” والاستخبارات التركية قبل نحو أسبوع واحد في عفرين، وكان محور الاجتماع حول مجموعة السليمان شاه، حيث طالبت غرفة عزم بحلها، لكن الاستخبارات التركية رفضت ذلك كما أن غرفة عزم طلبت بوضع المدعو مثقال عبد الله مكان أبو عمشة لكن الاستخبارات رفضت ذلك أيضاً.

وفي هذا السياق يقول الصحافي أحمد خليل بأن تركيا تستطيع حل أي مجموعة تركيا: “لكن بعد انتهاء مصالحها”.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد