بدائل العيد في دولة “الصمود”: فستق سوداني وكاسة شاي حلوة

خسر غالبية السوريون عيدهم هذا العام، لا سبيل حتى للبدائل، التي تفننوا في اختراعها خلال الأعوام السابقة، وخرجت هذا العام من متناول أيديهم، مع ارتفاع الأسعار الكارثي واستمرار تدهور قدراتهم الشرائية، التي لا تتجاوز اليوم حدود الخبز والماء خصوصا لدى فئة الموظفين الحكوميين.

استسلمت غالية 42 عاماً لقدر فرض عليها “كمواطنة سورية صامدة”، وقررت الابتعاد نهائياً عن صنع حلويات العيد من كعك ومعمول، بعد أن أجرت حساباتها، وتبيّن لها احتياجها لعدة مرات مضاعفة من راتبها الذي لا يتجاوز الـ120000 ألف ليرة سورية (حوالي 30 دولار).

غالية وهي إحدى ساكنات ريف دمشق، قررت الاستعاضة عن حلويات العيد، بإعداد قالبي كيك، قدّرت تكلفة الواحد منهما بـ15 ألف ليرة، ما سيكلفها 30 ألف ليرة أي نحو ثلث راتبها الحكومي.

فستق سوداني.. الأشهر في دمشق!

رفضت سلام 35 عاماً، التخلي عن فكرة إعداد حلويات العيد، والذي تصفه بآخر طقوس العيد التي قد تستطيع الاستمتاع بها مع عائلتها المؤلفة من 4 أشخاص، زوجها واثنين من الأبناء، إلا أنها لجأت إلى استبدال الجوز بالفستق السوداني.

تضيف سلام التي تعمل في أحد الشركات الخاصة بالعاصمة دمشق: “قبل عدة أعوام، كان الفستق الحلبي يزين حلوياتنا المعتادة مثل المعمول والبقلاوة، لاحقاً وبعد ارتفاع الأسعار، اقتصر الأمر على الجوز فقط، هذا العام وصل سعر كيلو الجوز البلدي لأكثر من 30 ألف ليرة، لذلك قررت استبداله بالفستق السوداني الذي يبلغ ثمن الكيلو منه نحو 11 ألف ليرة”.

تنوي سلام شراء كيلو فستق سوداني، وثلث كيلو جوز، لإعداد المعمول السوري الشهير، والذي في أساس صناعته يعتمد على الجوز والفستق الحلبي فقط، وهذا ما سيكبدها نحو 21 ألف ليرة، وتحتاج عدة لوازم أخرى مثل 2 كيلو سميد بسعر 12 ألف ليرة، وسكر بسعر 4000 ليرة، بالإضافة إلى قليل من عجوة التمر، بثمن 8000 ليرة لقالبين اثنين و18 ألف ثمن كيلو سمنة.

الغاز العقبة الأكبر

بعد طول حسابات، توصل محمد 52 عاماً مهندس يعمل بالقطاعين الحكومي التابع للنظام والخاص، لقرار مع زوجته بعدم صناعة حلويات العيد في المنزل، فرغم أن قدرته المادية جيدة ويستطيع شراء لوازم الحلويات، إلا أن موضوع الغاز يقف عائقاً، فليس من السهل إيجاد أسطوانة غاز حتى في السوق السوداء حالياً، وفي حال وجدت يتجاوز ثمنها 125 ألف ليرة، وغالباً ما تكون غير ممتلئة بالطريقة المعتادة، بحكم تجارب سابقة مع شراء الغاز من السوق السوداء.

ورغم أن محمد يمتلك مكتباً هندسياً في محافظة طرطوس، ويصف دخله بالجيد جداً، إلا أنه بلع ريقه عدة مرات، قبل أن يقرر شراء الحلويات الجاهزة، والتي بلغ سعر كيلو المعمول بجوز فيها نحو 35 ألف ليرة، وبالفستق 42 ألف ليرة، والسيوا أي بالتمر، 30 ألف ليرة، وتلك تعتبر أسعار متوسطة من أحد محال الحلويات شبه الشعبية في محافظة طرطوس على الساحل السوري.

رصد محمد ميزانية 100 ألف ليرة لشراء حلويات العيد، وهي ميزانية بالكاد تكفي لشراء القليل جداً، بخلاف ما جرت العادة من شراء وصنع الحلويات الوافرة والمترفة وتقديمها على مائدة ضيافة العيد.

مشبك وعوامة وشاي حلوة

بالنسبة للحلويات الشرقية المصنوعة بالسمن العربي، لا يوجد أحد من ضمن الشريحة التي توجهنا بسؤالها عن حلويات العيد، قد فكر بها أساساً، تقول لينا 45 عاماً، إن آخر مرة تناولت فيها حلويات عربية كان بعيد الأضحى الفائت، لدى إحدى السيدات طلبتها لتساعدها في أعمال المنزل.

وتضيف: “لا يوجد فكرة أشد سخرية، من فكرة العيد في سوريا، عن أي عيد تتحدث، ونحن بالكاد نستطيع شراء خبزنا ومائنا، وندفع فاتورة كهرباء لا نحصل عليها، وفواتير تلفون لم نستخدمه منذ أكثر من 6 أشهر بسبب سرقة الكابلات”.

تعمل لينا في تنظيف المنازل بمدينة اللاذقية، وهو عمل تقول إن مردوده جيد، لكنه يحتاج جهداً كبيراً منها، وهو ما سبب لها عدة أمراض في ظهرها ومفاصلها، أجبرتها على دفع جزء كبير منه للعلاج والأدوية.

تنتظر لينا فرص عمل في العيد لدى العائلات الميسورة، والتي ربما تحصل منها على بعض الحلويات الفاخرة، كما تفكر بشراء كيلو مشبك وعوامة من أحد محال الحلويات الشعبية بثمن يبلغ نحو 9000 ليرة، لأولادها الثلاثة وأكبرهم يبلغ من العمر 12 عاماً، بينما ستكتفي مع زوجها بتناول “كاسة شاي حلوة”، احتفالا بعيد لم تعد تعرفه منذ بدأ الصمود ينخر جسد السوريين.

لا تخفي لينا ألمها من الفوارق الطبقية التي تشعر بها خلال عملها في تنظيف المنازل، تضيف: “في كل مرة أقوم بها بتنظيف أحد المنازل، أجد الكثير من الأطعمة منتهية الصلاحية في البراد، أطعمة أحلم أنا وأطفالي بتناولها، أرميها وأنا أتحسر عليها، بعد أن أحتفظ بالقليل الصالح للأكل منها”.

الحوالات تنقذ الوضع

ليس ببعيد عن تصريح مسؤول حزب البعث، مهدي دخل الله، لإذاعة شام إف إم المحلية مؤخراً، بأنه لولا الحوالات القادمة من السوريين في الخارج كانوا “تبهدلوا”، تقول أحلام 62 عاماً، إنها حصلت على حوالة خارجية من ابنها الطبيب المقيم في السويد مؤخراً، وتجاوزت قيمتها المليون ونصف المليون ليرة سورية، وهو مبلغ خاص بالعيد ومصروف الشهر القادم، وهو ما يمكنها من شراء القليل من الحلويات الثمينة، التي رصدت لها مبلغ 300 ألف ليرة سورية.

وارتفع ثمن الحلويات بشكل كبير منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وقال أمين سر جمعية الحلويات والمعجنات في اللاذقية، باسم حاج ياسين، لصحيفة الوطن المقربة من السلطات في دمشق، إن الإقبال شبه معدوم على شراء الحلويات، لافتا أن الأسعار ارتفعت 120 في المئة مؤخراً تحديدا بآخر ثلاثة أشهر، حيث بات سعر كيلو المبرومة 90 ألف ليرة، والمشكل 85 ألف ليرة، وهي مبالغ توازي راتب موظف سوري حكومي.

من يشتري الحلويات؟

يقول عامل في أحد محلات الحلويات الشهيرة في دمشق، مطالباً عدم ذكر اسمه، إنهم حصلوا على طلبيات كبيرة ومفاجئة من الحلويات الباهظة الثمن، لافتا أن أحد الطلبيات بلغ ثمنها 2 مليون و200 ألف ليرة، وتعود لأحد كبار المسؤولين لدى النظام السوري، حيث أخبرهم صاحب المحل أن يتوصوا بها جيداً لأنها تعود لأحد المتنفذين دون أن يذكر صاحب المحل اسمه.

يقول العامل، إن غالبية الطلبات الواردة إلى المحل، هي إما لمسؤولين حكوميين لدى النظام السوري، أو أنها لكبار التجار، لافتاً أن الناس باتت تعرف من مظهرها، فحين يدخل شخص ثري يظهر عليه الأمر من خلال ملابسه، بخلاف الشخص البسيط الذي تبدو عليه ملامح الحاجة، لافتاً أن الفئة الأخيرة من الناس لم تعد تدخل المحل، وإن دخلت فإنها تعرض مبلغاً بسيطاً لا يتجاوز الـ10 آلاف ليرة، وتطلب به أحد الأنواع الموجودة، مرجحاً أن يكون الطلب خاصاً للأطفال، حيث تفضل أسر كثيرة تعويض أطفالها بعض الحرمان ولو على حسابهم.

سؤال السوريون عن عيدهم وبدائلهم، أكثر سؤال محرج قد تواجهه اليوم، لتجد الإجابات أكثر حرجاً وألماً، مثل تلك التي قررت شراء وقية بقلاوة لأطفالها الصغار، وذلك الذي خيّر أطفاله بين نزهة واحدة في العيد لمدينة الملاهي وبين شراء الحلويات، أو ذاك الذي قرر إغلاق باب منزله طيلة العيد، بدون استقبال أو معايدات، لأنه فقد إيمانه بفكرة العيد منذ تحولت حياته الصامدة لمجرد جحيم يومي، يحمل معه همّ تأمين اللقمة.

العيد الذي يعني للبعض فرحة مؤقتة ادخروا لها القليل لتحقيقها ولو بالحد الأدنى، لن يمرّ على أطفال الشوارع، الذين يجدون في العيد فرصتهم في كسب الرزق من استعطاف الناس من حولهم، فتجدهم على أبواب مدن الملاهي وأمام محال الحلويات، لا ليتناولوها ولا ليلعبوا بمدن الملاهي، فقط ليحصلوا من الزائرين قليلي الحيلة على بضع ليرات، كعيدية لن يحصلوا عليها من ذويهم.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد