التحرش والابتزاز.. تحقيق يرصد معاناة السوريات العاملات في تركيا

تواجه السوريات العاملات في تركيا العديد من المصاعب والتحديات في عملهن، وتتعدد هذه التحديات التي تصل مستوى بعضها في القساوة إلى التحرش والابتزاز، بالإضافة إلى الظروف المحيطة ببيئة العمل.

ونشر موقع “المهاجرون الآن” تحقيقاً يرصد حالة العاملات السوريات في تركيا، والظروف التي يعشنها في ظل غياب تطبيق القوانين الرادعة للتحرش أو التي تحفظ كرامة وحقوق النساء العاملات.

وضم التحقيق الذي أعدته “حميدة شيخ حسن” بالتعاون مع “صحفيون من أجل حقوق الإنسان” شهادات بعض العاملات في تركيا، واللاتي تعرضن للتحرش من زملائهن في العمل أو أثناء ذهابهن وعودتهم من العمل.

وقالت “شهد”، وهو اسم مستعار أنها سمعت رب عملها تقوم لأختها التوأم “سوف أعتدي عليك جنسياً عن لم تعملي بجد”، أثناء عملها في إحدى معامل الألبسة في إستانبول لمدة 12 ساعة مقابل رواتب لا تكاد تسد الرمق.

وتضيف أن “زملاؤنا اعتادوا أن يغلقوا المصاعد بين حين وآخر ليتم حجزنا في إحدى طوابق البناء الذي كنا نعمل فيه”، وهما في الـ 13 من عمرهما.

وأشار التحقيق إلى أن المعمل لم يكن صغيراً أو عادياً “بل حاصلاً على وكالة للعمل مع ماركات ألبسة ضخمة مثل Mavi، وBonita، إلا إنه مليء بالتحرش والاستغلال والمضايقات التي واجهت الطفلتين على مدار أربع سنوات ونصف، بحسب شهد”.

ولفت التحقيق إلى دراسة أجرتها جريدة “حرييت” التركية في 2017 عن التحرش في العمل، وتبين أنه “62% قد تعرضن للتحرش، بينما قالت 35% لا، و3% قلن إنهن غير متأكدين، وذلك من بين 1232 امرأة ردتن على الاستطلاع”.

التحرش في القانون التركي

ويجرم القانون التركي التحرش كجريمة يعاقب عليها القانون، ويمكن لأي أحد تعرض للتحرش التقدم بشكوى شفهية أو كتابية حتى مدة 6 أشهر، وفقاً للحقوقي “صلاح الدين رفعت دباغ” للتحقيق.

وأضاف “دباغ” في التحقيق أن “جريمة الاعتداء الجنسي، حال كان الاعتداء فقط باللمس لمرة واحدة، يعاقب مرتكبها بالسجن من 3-5 سنوات، وحال كان اللمس متكرر يعاقب مرتكبها بالسجن من 5-10 سنوات وفق المادة 102 من قانون العقوبات التركي”.

“وفي حالة الاعتداء الجنسي العنيف فيعاقب مرتكبه بالسجن لمدة لا تقل عن 12 سنة ولا تزيد على 20 سنة. وفي حال كان المجني عليه طفلا فتصبح مدة السجن تتراوح بين 12- 20 سنة، وتضاعف العقوبة إذا ارتكبت نتيجة استغلال الوظيفة الحكومية أو استخدام وسائل التواصل الإلكترونية أو إذا ارتكبت من قبل المكلفين برعاية أو تعليم الطرف الآخر أو إذا ارتكبت من خلال الاستفادة من العمل في نفس المكان”، وفقاً لـ “دباغ”.

تدني الأجور

“أنا ميتة في هذه الحياة، كنت قوية في نظر الجميع إلّا نفسي” هكذا تصف راما محمود حياتها في تركيا بعد وفاة والدها ودخولها سوق العمل، حيث تعمل لأكثر من عشر ساعات يومياً كعاملة نظافة ومسؤولة طعام ضمن إحدى الروضات العربية في إسطنبول.

وورد في التحقيق شهادة إحدى العاملات في إحدى الروضات العربية في إستانبول كعاملة نظافة ومسؤولة طعام، وتعمل أكثر من عشر ساعات يومياً.

وقالت “راما محمود” حول عملها “أنا ميتة في هذه الحياة، كنت قوية في نظر الجميع إلّا نفسي”، وأضافت “راما” في سياق التحقيق أنه “لا يفيد الفتاة سوى تعليمها وشهادتها الدراسية”.

ونوه التحقيق إلى أن “الأجور المتدنية وساعات العمل الطويلة، إضافة إلى النظرة الدونية التي شعرت بها” جعلت “راما” “تعيش حالة اكتئاب”.

وأشار التحقيق إلى أن “الأجور المتدنية للعمال السوريين ظاهرة منتشرة في تركيا”، مذكرة بإحصائيات لـ “مركز الحوار السوري”، والتي تفيد بإن “75% من العمال السوريين يتقاضون مبالغ أقل من الحد الأدنى للأجور في تركيا، كما يعمل أكثر من 59% منهم لساعات طويلة قد تصل إلى 65 ساعة أسبوعية دون أي تعويض عادل”.

عمل النساء في المنظمات

وتناول التحقيق أيضاً ظروف عمل النساء في منظمات المجتمع المدني، وعدم التزام نسبة كبيرة من هذه المنظمات بمعايير وسياسات العمل الخاصة بالنساء، لا سيما في فترات الأمومة والرضاعة.

وذكر التحقيق أن “حقوق النساء غير مدرجة بشكل كامل ضمن المنظمات، نحن بحاجة اعتراف النساء ووعيها باستحقاقها لتلك الحقوق والمطالبة بها والإيمان بأنها حقوق وليست ميزات، مثل إجازة الأمومة والحضانة وتوفير بيئة مناسبة من حيث مكان العمل”، وفق ما أفادت مسؤولة المناصرة في منظمة “SAMS”، ديمة معراوي.

وأضافت “معراوي” أن “المنظمات التي تعمل منذ سنوات وضعت سياسات تساعد على تأمين حقوق النساء كما الرجال قدر المستطاع، أما المنظمات الناشئة تواجه خللاً في ذلك”، مشيرة إلى أن تألق المرأة السورية في عملها، ضمن المنظمات، بعد مواجهة العديد من الانتقادات والتحديات في رحلتها الأولى فقط “لأنها امرأة”، مما دفعها لاحقاً للمطالبة بكافة حقوقها، منها المالية، حيث تتقاضى أجوراً أقل من زملائها الرجال في ذات المنصب.

وأشار التحقيق إلى دراسة أجرتها شبكة “انا هي” مع “ملتقى حنين” في 2016، وخلصت الدراسة إلى أن عدد العاملات لدى 100 منظمة مستهدفة بلغ 2863 امرأة، من إجمالي 9310 عاملاً، أي بنسبة 20% تقريباً.

ووفقاً للمنظمات المشاركة في البحث فإن أسباب هذه النسبة القليلة هي “قلة الخبرة، وصعوبة إيجاد المرأة المناسبة، وقلة التمويل، وطبيعة العمل لساعاتٍ طويلة، اختيار الأشخاص حسب طبيعة الاتجاه الفكريّ للإدارة، وعدم ضمان استمرارية المرأة في العمل بسبب غياب الأنظمة التي تأخذ في الاعتبار وضع المرأة (مثل إجازة الأمومة والرضاعة وتوفير الحضانة في مكان العمل)” وغيرها من الأسباب.

وذكر التحقيق أن “الحرب الدائرة في سوريا فرضت على النساء السوريات طرق حياة جديدة، فاضطرت المرأة السورية للدخول في سوق العمل ومواجهة التحديات لإعالة أسرهن بسبب فقد المعيل” وفقاً لعضوة شبكة المرأة السورية “سوسن دحمان”.

وأضافت “دحمان” أن “أكبر التحديات التي تواجهها هي عدم معرفتها بالوضع القانوني في تركيا، ومواجهة صعوبات بإصدار بطاقة الحماية المؤقتة واذن السفر والترخيص، بالإضافة إلى عائق اللغة”، مشيرة إلى أن غالبية النساء يرغبن بدخول سوق العمل لكسب لقمة العيش، حيث دخلت الكثير من النساء في تدريبات مهنية كالخياطة والطبخ وغيرها، فاستطاعت المرأة إثبات جدارتها بالعمل رغم قساوة الظروف والصعوبات التي واجهتها.

وقالت المديرة القطرية في منظمة “النساء الآن” أن “النساء السوريات واجهن تحديات كبيرة للدخول في بيئة عمل آمنة توفر شروط صحية وحقوق كاملة، حيث عملت الكثير منهم بشكل غير شرعي (السوق الأسود) بسبب صعوبة الحصول على فرص عمل مناسبة أكثر.

وأوضحت “سهى الأقرع” أنه “بعد إصرار النساء السوريات على العمل والنجاح والتميز في كافة المجالات، أصبح هناك انفتاح أكبر لعمل المرأة حتى عند المجتمعات التي كانت ترفض ذلك، وأعطيت لها الفرصة للبحث عن العمل والتحرر من القيود التي واجهتها كثيراً”.

وتابعت “الأقرع” “في الظروف غير الآمنة وضمن العمل غير القانوني (غير مسجل لدى الدولة)، ينعكس عمل المرأة سلباً عليها، حيث هناك قابلية لاستغلالها على كافة الأصعدة مثل التخلف عن إعطاء الأجور والتحرش والاستغلال الجنسي، كما أن الكثير من النساء لا تبحث عن طريقة لأخذ حقها المسلوب وذلك لعدم معرفتها بالقوانين بشكل واضح”.

ووصفت “الأقرع” النساء السوريات العاملات بأنهن “جبارات ومبدعات، خلقن فرصاً من العدم، وباختلاف الخلفيات التعليمية لهن وبحكم الواقع الذي فرض عليهن، استطعن الدخول إلى سوق العمل والنجاح فيه”.

النساء وقوانين العمل

وورد في التحقيق أنه “في بعض الأحيان، قد لا تحمي القوانين حقوق الرجال والنساء على حد سواء. ومع ذلك، عندما تُنتهك حقوق المرأة، غالبًا ما يحدث ذلك لمجرد أن النساء نساء، على سبيل المثال، يتضح دائماً أن النساء هن من لا يحصلن على أجر متساوٍ عن العمل المتساوي”، بحسب جمعية (kadinin insan haklari yeni çözümler derneği) التركية”.

وأشار التحقيق إلى أنه “طبقاً للمادة 74 من قانون العمل رقم 4857، تعطى للمرأة إجازة أمومة مدتها ستة عشر أسبوعاً، كما تُمنح العاملة أثناء فترة الحمل إجازة مدفوعة الأجر لإجراء فحوصات دورية، ويتم توظيف النساء الحوامل في وظائف أخف مناسبة لصحتها ولا يجوز تخفيض أجر العمل في هذه الحالة” نقلاً عن القانوني الخبير بشؤون اللاجئين “عبد الله سليمان أوغلو”.

كما تُمنح العاملة إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة تصل إلى ستة أشهر بعد إكمال إجازة الأمومة وذلك بناءً على طلبها، كما يُسمح للعاملات بالرضاعة الطبيعية لمدة ساعة ونصف في اليوم لإرضاع أطفالهن دون سن سنة واحدة”.

شارك المقال على:
مقالات ذات صلة:

تقارير وتحقيقات

آخر الأخبار

مساحة نسوية

أرشيف الاتحاد